فاكهة العدل والإحسان التي لم تنضج بعد

فاكهة العدل والإحسان التي لم تنضج بعد

المغرب اليوم -

فاكهة العدل والإحسان التي لم تنضج بعد

توفيق بو عشرين

«العدو الذي لا تستطيع التخلص منه يجب أن تتفاوض معه»، هذه هي القاعدة في الحرب كما في السياسة.
أصبحت الدولة توجه أصابع الاتهام إلى جماعة العدل والإحسان في كل حراك سياسي أو اجتماعي، باعتبارها المحرك الأول لشرارات هذه الاحتجاجات. حصل هذا في حراك 20 فبراير، كما حصل أخيرا بمناسبة احتجاجات طنجة على أسعار الماء والكهرباء، كما وجهت إلى الجماعة التهمة ذاتها بخصوص تسخين طاجين الأساتذة المتدربين.
نصف هذا الاتهام صحيح ونصفه خاطئ. النصف الصحيح هو أن جماعة العدل والإحسان تتصرف كجماعة معارضة للدولة والحكومة، وهي ترى في الحراك الاجتماعي مقدمة للحراك السياسي، وهي تعرف، بالخبرة والتجربة، أن الذي سيخرج الناس إلى الشارع هي المطالب الإصلاحية وليس دفتر العمل الثوري (القومة)، وأن الشارع مستعد للمطالبة بخفض أسعار الماء والكهرباء وتوفير الشغل، والاحتجاج على قرار العفو عن بيدوفيل، وعلى إسقاط مرسوم حكومي، لكن الشارع غير مستعد للخروج إلى الشارع من أجل القومة أو الحكم على منهاج النبوة، أو من أجل المطالبة بـ«التوبة العمرية»، أما الشق الخاطئ في اتهام وزارة الداخلية لجماعة العدل والإحسان فهو اتهام هذه الأخيرة باختلاق الاحتجاج، لأن أصل الاحتجاجات موجود، وخروج الناس إلى الشارع للاحتجاج سببه مشاكل حقيقية، وقرارات خاطئة، وتدخلات أمنية عنيفة، ومطالب مشروعة، وأما جماعة العدل والإحسان، وأمام ضعف النقابات وترهل الأحزاب وغياب الحوار، فإنها لا تفعل أكثر من تشجيع هذه الاحتجاجات، وتزويدها باحتياطي بشري موجود، إما أنه هو نفسه متضرر من السياسات الاجتماعية أو الاقتصادية، أو أنه، بأمر من الجماعة، يقوي هذه الاحتجاجات، لكن العدل والإحسان ليست هي مخترعة الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفه المغرب طيلة السنوات الخمس الماضية.
هل يريد بنكيران وحصاد من جماعة العبادي أن تدير ظهرها للحركات الاحتجاجية في الشارع، وأن تتفرغ للذكر والدعاء وكتابة البيانات؟ شيء طبيعي أن تتصرف الجماعة كقوة سياسية معارضة، وأن تنتظر أول فرصة لتوجيه ضربة أو لكمة إلى السلطة التي تعارضها كما كان اليسار يفعل طيلة سنوات طويلة.
الآن دعونا نتأمل العلاقة المعقدة بين الجماعة والدولة في المغرب… إذا كانت للعدل والإحسان كل هذه القدرة على تحريك الشارع، فالأولى أن تجلس السلطة في المغرب مع هذه الجماعة، وتفاوضها لتجد معها حلا لجل المشكلات. هذا ما تقوله الحكمة، وهذا ما جرى مرتين دون التوصل إلى حل، للأسف الشديد.
سنة 1991، بعث الملك الراحل الحسن الثاني وزيره في الأوقاف والشؤون الإسلامية لمفاوضة جماعة العدل والإحسان، وللنظر في مطالبهم، ودعوتهم إلى تغيير موقفهم من النظام الملكي وإمارة المؤمنين، مقابل أن يسمح لهم بحزب سياسي شرعي، وأن يستقبلهم كما يستقبل كل الأحزاب السياسية، فكان رد الجماعة كالتالي، في محضر كتبته قيادة العدل والإحسان، وعلى رأسها المرشد عبد السلام ياسين، نشر أخيرا من أوراق المدغري على الأرجح. يقول البيان على لسان الجماعة:
«1- إننا نرحب بالعمل في إطار المشروعية الدستورية وفق القوانين الجاري بها العمل في البلاد، والتي لا تتعارض مع مقتضيات الشريعة الإسلامية.
2- إننا نؤكد رفضنا للعنف والأساليب الغوغائية.
3- إننا نعتمد أسلوب الحوار الديمقراطي الجاد.
4- إننا نتجنب التبعية لأي تنظيم خارجي.
5- لا نرفض، في حالة ما إذا خلصت نيات المسؤولين وإرادتهم السياسية، أن نعمل في إطار حزب سياسي معترف به وفق ما ينص عليه دستور البلاد، والملكية الدستورية تضمن تعددية الأحزاب، على أن نُمنح مهلة كافية تهدأ فيها النفوس من الإثارات التي سببتها المظلومية الواقعة علينا، ولنسوغ لإخواننا فكرة قبول هذا الحزب كما تقضي بذلك قواعد الشورى الإسلامية. وحرر بسجن سلا بتاريخ الـ29 من ذي القعدة 1411».
عرضنا هذه الوثيقة، التي نشرها باحث جامعي في أطروحته للدكتوراه، على فتح الله أرسلان فلم ينكرها، بل اعترف بها، لكنه وضعها في سياق خاص. إذن ماذا وقع حتى فشلت أول محاولة تطبيع للجماعة مع القصر في عهد الملك الراحل الحسن الثاني؟ الذي وقع أن المدغري طلب من الجماعة كتابة رسالة إلى الملك وفق التقاليد المرعية تعلن فيها قبول النظام الملكي، وقبول البيعة لأمير المؤمنين. الجماعة, ولأنها تفتقر إلى المرونة السياسية، وجهت رسالة إلى وزير الأوقاف لكي تتجنب كتابة عبارات: «جلالة الملك وأمير المؤمنين وسيدي أعزك الله»، وغيرها من مفردات خطاب الملوك في المغرب، لكن السبب الأهم كان هو أن الجماعة كانت مستعدة لقبول النظام الملكي والحصول على حزب سياسي، لكنها لم تكن مستعدة لبيعة أمير المؤمنين، لأن لها نظرة خاصة إلى موضوع البيعة الشرعية التي تراها رضائية وليست قسرية، ولسلوك أمير المؤمنين الذي تراه قريبا من سيرة عمر بن الخطاب، وهذه، لعمري، نظرة طوباوية لم تتحقق في جل أمراء المؤمنين الذين تعاقبوا على حكم المسلمين طوال 14 قرنا، لكن، في ظني، أن الذي منع العدل والإحسان من قبول البيعة لـ«أمير المؤمنين» ليست أحكام الإمامة في الفقه السني، وليست النظرة المعيارية اللاتاريخية لنظام الحكم في الإسلام، بل لأن جماعة العدل والإحسان لم تكن مهيأة آنذاك لفصل العمل السياسي عن العمل الدعوي، كما فعل بنكيران وأصحابه، فقد اعتقد الشيخ عبد السلام ياسين، رحمه الله، أن جماعته تمتلك ورقتين للتفاوض مع الحسن الثاني؛ الأولى هي القبول بالنظام الملكي وثمنها حزب سياسي، والثانية هي البيعة لأمير المؤمنين، وهذه ثمنها لم يعرض بعد.
كان المؤمل من الطرفين أن ينجزا المتفق عليه، وأن يؤجلا المختلف فيه، لكن الحسابات الخاطئة للطرفين عصفت بالاتفاق السياسي الذي كان سيسمح للعدل والإحسان بالاندماج في الحياة السياسية، وكان سيسمح للقصر بإزالة شوكة من قدمه. الذي حدث أن العدل والإحسان اعتقدت أن النظام في موقف ضعف، وهو الأمر الذي لم يكن صحيحا، أما القصر فقد طبق نظرية الفلاحة في السياسة: «لا تقطف الفاكهة حتى تنضج في وقتها»، والوقت لم يكن يشكل مشكلة لدى الملك الراحل، لهذا توجه إلى الفاكهة التي كانت ناضجة (الإصلاح والتجديد)، ووضعها في سُلة الدكتور الخطيب وحزبه، الذي كان مجمدا، فأنعشه إخوان بنكيران وبقية القصة معروفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فاكهة العدل والإحسان التي لم تنضج بعد فاكهة العدل والإحسان التي لم تنضج بعد



GMT 02:31 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

العدل والإحسان تبحث عن مخرج

GMT 05:20 2017 الجمعة ,19 أيار / مايو

أخلاق الدولة في خطر..

GMT 13:41 2017 الجمعة ,17 شباط / فبراير

من له مصلحة في استفزاز العدل والإحسان

GMT 14:12 2016 السبت ,03 كانون الأول / ديسمبر

حوار هادئ مع العدل والإحسان

GMT 06:36 2016 الثلاثاء ,26 إبريل / نيسان

في نقد مفهوم الخلافة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya