عقدة في منشار السياسة

عقدة في منشار السياسة

المغرب اليوم -

عقدة في منشار السياسة

توفيق بوعشرين

اجتمع السيد وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، بممثلي الأحزاب السياسية، بمن فيهم ممثل عن حزب النهج الديمقراطي، في مقر الوزارة للاستماع إلى وجهات نظر الأحزاب حول موضوع الإجهاض، الذي كلف الملك محمد السادس وزيريه في العدل والتشريع بإعداد نص قانوني حوله في غضون شهر.. قانون لا يحرم حلالا ولا يحلل حراماً، لكنه يراعي الظروف ومصلحة المرأة وصحة الجنين، بلا إفراط ولا تفريط…

في كلمته أمام ممثلي الأحزاب، خص الرميد ممثل الحزب الراديكالي الصغير بتنويه خاص، وشكره على حضوره إلى جانب الأحزاب الأخرى، وقال: «هذا ما يميز الاستثناء المغربي الذي يجعل الجميع يبحثون عن توافق حول القضايا الاجتماعية الكبرى». وتأسف الرميد «على غياب جماعة العدل والإحسان عن هذا اللقاء بسبب مواقفها السياسية المعارضة للنظام»، متمنيا أن «تعدل جماعة ياسين من أطروحتها السياسية في اتجاه المشاركة في المؤسسات الرسمية للسماح لها بالإدلاء بتصوراتها في تنظيم الدولة والمجتمع داخل المؤسسات».

السيد الوزير.. ملاحظاتك وجيهة لكنها ناقصة. لا بد أن تطرح سؤالا آخر على الحكومة والحزب الذي يقودها: ماذا فعلتم لكي تحلوا مشكلة اسمها العدل والإحسان؟ هذه عقدة موروثة منذ عقود، لكنها ليست مستحيلة الحل. وكأي عقدة، تحتاج إلى من يفهمها، ثم من يقترب منها، ثم من يبدأ تدريجيا في فك خيوطها. انظروا، الآن أمريكا تحاور إيران رغم أن بينهما عداوات ودماء وصراعات واختلافات في وجهات النظر أكبر بكثير مما يتصور أي عدو تجاه عدوه، ويوم الأحد الماضي أجرى أوباما حوارا مع «نيويورك تايمز» طالب فيه العرب بالحوار مع إيران، ودافع عن نظام آيات الله!

كيف تريد، السيد وزير العدل والحريات، من جماعة عبد السلام ياسين أن تشارك في مؤسسات الدولة ووزارة الداخلية لا تسمح لها بقطعة أرض صغيرة في مقبرة الشهداء لدفن زوجة الراحل ياسين؟ كيف تريد للجماعة أن تقبل بأسس نظام الحكم وتغير من نهجها، وزعماؤها يلاحقون في البيوت بدعوى أنهم يختلون (من الخلوة) بعشيقات مفترضات؟

هذا الجو لا يصنع توافقا ولا اعتدالا ولا تفاهما.. هذا المناخ المتوتر لا يصنع إلا المزيد من التشدد والراديكالية والرفض المطلق من الطرفين. العدل والإحسان موضوع سياسي وليست ملفا جنائيا…

إن انتقالا ديمقراطيا حقيقيا في البلاد لا يمكن أن يتم بدون مشاركة جماعة العدل والإحسان في المسار السياسي والبناء المؤسساتي للبلاد، فالجميع يعترف اليوم بأن جماعة العدل والإحسان جماعة كبيرة ومنظمة وسلمية، وهذا هو شرط المشاركة السياسية. الديمقراطية لا تشترط شيئا على أي مشارك في لعبتها سوى أن يبقي العنف خارج المعادلة.. الباقي كله قابل للنقاش والسجال والأخذ والرد، والحلول الوسطى (واللي عندو باب واحد الله يسدو في وجهه).

قبل وفاته بسنة وزيادة، التقيت في باريس إدريس البصري، وزير الداخلية السابق، وكانت شهيته قد فتحت للكلام في كل الموضوعات، وكأنه اكتشف عندما خرج من السلطة أن له لساناً غير لسان الخشب الذي كان يحركه في فمه دون أن يقول شيئا لمدة 30 سنة.. المهم، سألت إدريس البصري عن جماعة العدل والإحسان، فقال لي: «إن المخطط كان في عهد الحسن الثاني هو استيعاب الجماعة، كما جرى استيعاب العدالة والتنمية في حزب الخطيب، وإن وزارتي الداخلية والأوقاف كانتا تشتغلان على الموضوع»، ثم مر لسؤالي هو فقال: «هل تعتقد أن الفريق الجديد في الحكم -وكان يتحدث عن رفاق محمد السادس- كانوا سيسمحون لإسلاميي العدالة والتنمية بالمشاركة في المؤسسات ودخول البرلمان لو جاؤوا ووجدوهم خارج اللعبة؟». ودون أن ينتظر الجواب قال جازما: «لا، لن يشركوا أحدا في سلطتهم التي وجدوها على طاولة من ذهب، وبيننا الأيام»…

كتبت أكثر من مرة منتقدا نهج جماعة العدل والإحسان غير الواقعي، وعدم تمييزها بين شكل الحكم ومضمون الحكم، ومن أن النظام الملكي العصري لا يتناقض مع الديمقراطية ولا مع الشورى ولا مع الحكم المدني ولا مع الحكم الراشد.. لكن في المقابل، الدولة لم تقم -باستثناء رفع الحصار عن عبد السلام ياسين- بأي مجهود لحل عقدة العدل والإحسان، ومحاولة إدماجها في المؤسسات كحق من حقوق المواطنة أولا، وكنزع لفتيل التوتر ثانيا. لقد رأينا كيف وظفت جماعة ياسين حراك الشارع ونفخت في جمر 20 فبراير، وكانت من أشد الرافضين لجعل سقف الحراك المغربي في الشارع، وهذا ما دفع النظام إلى تقديم تنازلات مهمة في نص الوثيقة الدستورية وفي انتخابات 25 نونبر وما تلا ذلك… إذن، العدل والإحسان مشاركة في السياسة لكن في الحقل المضاد، فلماذا لا تفتحون لها الباب للدخول للمشاركة في الحقل القانوني، ستصير الكلفة أدنى، وستبعدون الجماعة عن الراديكالية وعن العنف الذي يمكن أن يتسرب مع اليأس إلى نفوس شباب الجماعة، لا قدر الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقدة في منشار السياسة عقدة في منشار السياسة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya