توفيق بو عشرين
يستيقظ المغربي كل صباح بعد أن يستنفد ثماني ساعات من يومه (24 ساعة) في النوم، ثم يستهلك حوالي ثلاث ساعات في الأكل والشرب (ثلاث وجبات في المعدل)، ثم يقضي 6 ساعات ونصف في الوقت الحر، أي الوقت الذي لا يشتغل فيه ولا يدرس، فماذا يفعل في هذا الوقت الحر الذي يأخذ 28 في المائة من حياته في اليوم؟ يقضي ساعتين و30 دقيقة أمام التلفاز (وتعرفون أن أكثر من 60 في المائة من المغاربة تشاهد القنوات الأجنبية، ويأتي على رأسها قنوات mbc الترفيهية متبوعة بقنوات bein sports الرياضية). ويقضي المغربي ساعة واحدة في الأنشطة الدينية (الصلاة، الذهاب والرجوع من المسجد، حضور دروس دينية)، ثم يمضي 43 دقيقة من وقت الفراغ في القيلولة (النوم مرة أخرى)، ثم يمضي 38 دقيقة أخرى لا يفعل أي شيء (يتأمل ربما، أو يرتاح من النوم الطويل في ما أظن، أو يراقب المارة رجالا ونساء في المقهى بتركيز شديد ودون تعليق في الغالب)، ثم يمر إلى الدردشة مع الأهل والأصدقاء والجيران بحوالي 37 دقيقة في اليوم، ثم يستهلك 26 دقيقة يوميا في زيارة الأهل أو استقبالهم. هكذا يمضي مواطننا العزيز ثاني أكبر وقت في يومه بعد النوم (8 ساعات) وبعد الأكل (3 ساعات)…
كم بقي من عمر يومه بعد ذلك؟ ست ساعات ونصف.
يقضي منها المغربي 3 ساعات و20 دقيقة في العمل لا غير (هذا هو المعدل العام، طبعا يرتفع هذا التوقيت لدى فئة الناشطين إلى ست ساعات، لكن نحن هنا نتحدث عن المعدل العام ليوم المغربي)، والباقي يقضيه المغربي في التنقل لقضاء أغراضه اليومية، والعمل داخل المطبخ (23 مليار ساعة تقضيها النساء في المطبخ كل عام و93 في المائة من النساء يتحملن عبء العمل داخل المنزل لوحدهن)، والإبحار في الأنترنت لمدة 9 دقائق، تخصص 81 في المائة منها للترفيه وليس للبحث عن معلومات أو التثقيف.
كم يخصص المغربي يوميا من وقته للقراءة؟ أمسكوا رؤوسكم.. المغربي يقضي من دقيقة واحدة إلى ثلاث دقائق في اليوم أمام كتاب أو جريدة أو مجلة، لا غير، لا وقت لديه يضيعه في هذه الهواية التي تنقرض يوميا! كم يخصص المغربي من وقته يوميا للرياضة؟ ثلاث دقائق لا غير (العقل السليم في الجسم السليم)…
هذه هي خارطة 24 ساعة التي تمر من عمر الإنسان المغربي كل يوم، حسب الدراسة التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2012، وهمت حوالي 10 آلاف أسرة من كل ربوع المملكة ومن كل الفئات الاجتماعية، فقراء وأغنياء ومتوسطي الحال، ودامت سنة كاملة لمراقبة تقلبات الأنشطة اليومية.
إذن، رسميا ودون مجاملات ولا دبلوماسية ولا خوف من أحد، نحن شعب لا يقرأ، وكل سنة يبتعد عن الجريدة والمجلة والكتاب، ولا يمارس الرياضة، ويضيع وقتا طويلا أمام التلفزة، ولا يستفيد من الأنترنت الذي قام بثورة كبيرة في العالم، فالأغلبية الساحقة تضيع الوقت في الدردشات الفارغة في مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبا بلغة لا هي عربية ولا هي فرنسية ولا هي إنجليزية. نحن أمة لا يشتغل مواطنوها لإنتاج قيمة مضافة إلا في حدود 3 ساعات و20 دقيقة من أصل 24 ساعة يوميا. نحن مجتمع يعيد إنتاج الصور النمطية للمرأة المسجونة في المطبخ بإرادتها أو رغما عنها. ونحن بلاد تتغذى على الشفوي وليس المكتوب، تستهلك أكثر مما تنتج. أقلية الأقلية وسطها هي التي تشتغل وتربح وتطور نفسها، فيما جيوش جرارة تعيش على الفتات أو الصدقة أو التكافل أو الاحتيال أو الريع، فيما رقعة الإنتاج والإبداع والمبادرة صغيرة جداً في وطن كبير…
على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن يعتمد هذه الدراسة الجديدة لاكتشاف جرائم قتل الوقت لدى المغربي وهو يعد دراسته حول الرأسمال غير المادي في المغرب، وسيكتشف نزار بركة وأصدقاؤه صناعة ثقيلة في المغرب لا تعترف بها الحكومة ولا ترتب عليها ضريبة، وهي صناعة قتل الوقت، وهي صناعة في ازدهار ولا ينافسنا فيها أحد، ولا يحسدنا عليها أحد.. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.