رسائل غزوة بروكسيل

رسائل غزوة بروكسيل

المغرب اليوم -

رسائل غزوة بروكسيل

توفيق بو عشرين

غاصت بروكسيل في موجة من الرعب والخوف بعدما ضرب الإرهاب بقوة في عاصمة الاتحاد الأوروبي يوم أمس.. وجوه ملطخة بالدماء، رجال ونساء وأطفال ينتحبون وسط أكوام من الجثث التي سقطت بفعل عملية انتحارية في ميترو أنفاق وقاعة المسافرين في المطار.
رفاق صلاح عبد السلام لم ينتظروا كثيرا، بعدما اعتقل قائدهم مروا إلى تفجير ما بقي في أحزمتهم من عبوات وموت ودمار، وكل هذا من أجل إيصال رسائل داعش إلى مقر الاتحاد الأوروبي، وهي رسائل متعددة ومركبة، منها رسائل سياسية تريد بالإرهاب والرعب إضعاف ثقة الناس في دولهم، والضغط على الحكومات الأوروبية للانسحاب من التحالف الدولي الذي يحارب داعش في العراق وسوريا، ومنها رسائل دعائية حيث تستعرض «شركة الإرهاب الدولي» داعش أذرعها المنتشرة عبر العالم، لتقول للجميع إنها سيدة سوق القتل والدمار فوق هذه الأرض، وأن أحدا لا ينافسها على الريادة في هذا المجال، أما ثالث رسالة من وراء تفجيرات بروكسيل أمس فهي التي تحمل طابعا إيديولوجيا. البغدادي يريد أن يُرّسِم القطيعة بين المسلمين وغير المسلمين في العالم، وأن يختطف ديانة مليار ونصف مليار مسلم، وأن يخوض بهم حربا مفتوحة مع اليمين المسيحي المتطرف الذي ستنعشه هذه الأعمال الإرهابية في القارة العجوز، حيث يعيش أكثر من 20 مليون مسلم في الاتحاد الأوربي لوحده، سيجدون أنفسهم في قفص الاتهام معرضين للعنصرية وللتمييز والعزل، وهنا يلعب التطرف لعبته، حيث تتوسع رقعة استقطابه للمحبطين من شباب المسلمين المنحدرين من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
ثلاث تعليقات سريعة ومؤقتة يمكن كتابتها تحت صور «غزوة بروكسيل»، وقبلها ضربة باتكلان في باريس:
أولا: إن تنظيم داعش أخطر مما يتصوره المراقبون السياسيون أو العسكريون أو الأمنيون. هذا التنظيم، الذي مازال لغزا لم تفك كل طلاسمه، نجح في استقطاب أكثر من 10 آلاف شاب أوروبي مسلم (أغلبهم من أصول مغربية وجزائرية وتونسية)، في حين أن الجهاد الأفغاني (1979-1989)، ورغم الدعم الأمريكي والأوروبي والعربي له، ورغم تمويل دول كبرى لمجهوده الحربي، لم يفلح في استقطاب سوى 400 مجاهد أوروبي على مدى عشر سنوات. هذا يكشف تطور آليات الاستقطاب لدى داعش من البيئة الأوروبية التي تعتبر نظريا بعيدة جدا عن نموج فكر وتدين التنظيم الأصولي الأكثر تطرفا وعنفا على وجه الأرض.
ثانيا: تكشف انفجارات بروكسيل، وقبلها مجزرة باريس في نونبر الماضي، وقبلها عمليات متفرقة في دول أوروبية عديدة، أن هناك ثغرات أمنية واستخباراتية كبيرة في أوروبا، وأن دول القارة العجوز الغنية والمتطورة، التي تمتلك وسائل مادية وتكنولوجية هائلة، لم تنجح في ملاحقة الخلايا النائمة أو المستيقظة التي سافر أعضاؤها إلى سوريا للتدريب على أحدث وسائل القتل والدمار، ورجعوا إلى بلدانهم لتطبيق ما تعلموه في جامعات الإرهاب في الرقة والموصل، وجمعوا ترسانة أسلحة مهمة ومتطورة، وأنشؤوا غرف عمليات وأوراش إعداد المتفجرات في شقق ببروكسيل وباريس ولندن، وغيرها من العواصم الأوروبية، ومع ذلك لم تصل إليهم أيدي الأمن حتى قتلوا المئات وروعوا الملايين، وكبدوا اقتصاد أوروبا مليارات الدولارات من الخسائر الناتجة عن إعلان حالة الطوارئ، وتوقيف حركة الملاحة الجوية، واستدعاء الجيش وقوات الطوارئ. هذا معناه أن الجيل الجديد من الإرهاب والإرهابيين طور وسائل وتقنيات بعيدة عن الرصد، سيبقى خطرها قائما لسنوات مقبلة.
ثالثا: تعتبر أوروبا ثاني مشتل نموذجي تربي فيه داعش وقبلها القاعدة «مقاتلي الرب» الجوالين الذين يتجاوبون بسرعة قياسية مع المشروع الداعشي الإرهابي، الذي يعدهم بالجنة في الآخرة لأن الدنيا لم تعطهم شيئا، ولن تعطيهم سوى العذاب والحرب والإهانة، لأنها دنيا، حسب زعمهم، يحكمها الغرب القوي «الكافر» الذي يحمل عداء جينيا للإسلام والمسلمين، والذي يريد دليلا فما عليه إلا أن يلقي نظرة على الخريطة ليرى الدم الذي ينزف من بلاد المسلمين في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان… عقول الشبان الصغيرة في ضواحي باريس وبروكسيل ومدريد ولندن وبرلين… لا تحتمل غسيل الأدمغة هذا التي يقوم به خبراء متخصصون في توظيف مشاكل الفوضى الدولية الراهنة، ومشاكل اندماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية لاصطياد الجانحين منهم والضائعين، والمحبطين الذين يعيشون مشاكل اندماج حقيقية، فيتم إيهامهم بأن الجهاد العابر للقارات يعطي معنى جديدا لحياتهم، ومع الخدمات التي تقدمها تكنولوجيا الاتصال والتواصل وأحلام العودة إلى الخلافة والدولة الإسلامية المتخيلة، والأموال التي تنفقها هذه التنظيمات، نصبح أمام خلايا خطيرة وعناصر غير مرصودة، وشباب يستعمل حياته كأغلى ما عنده من أجل الانتقام من مجتمعه ودولته ومستقبله.. ينشر الموت والرعب بين الأبرياء لأنه عاجز عن فهم تعقيدات العالم الذي يحيط به، ولم يجد من يساعده على استرجاع الأمل فيموت بين براثن اليأس.
الخلاصة أن مشاكل اليوم لم تعد مشاكل محلية، والحروب لم تعد محصورة في حدود معينة، والإرهاب لم تعد له جنسية وجواز سفر وبطاقة إقامة.. العولمة جعلت كل شيء معولما، وأسقطت كل الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية، وإذا لم تواجه كل الدول، خاصة القوية والقادرة منها، آفة الإرهاب يدا في يد، وتعمل على تجفيف منابعه والقضاء على مسبباته، فإن دماء كثيرة ستسيل، وعبوات عديدة ستنفجر، وأحزمة خطيرة ستقود الجاني والضحية إلى قبور بلا عد ولا حصر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل غزوة بروكسيل رسائل غزوة بروكسيل



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya