يقول البريطانيون سخرية من الأبناك: «البنكي الشاطر هو الذي يعطيك مظلة في الصيف ويأخذها منك في الشتاء»، أي الذي يعطيك قرضا عندما لا تكون محتاجا إليه، ويمنعه عنك عندما تحتاج إليه.
الأمريكيون وبعد فضائح الأبناك الأخيرة اخترعوا نكتة أقوى تقول: «إن اللص الحقيقي هو الذي يؤسس بنكا وليس ذلك الذي يسرق بنكا»…
كل هذه المقدمة غير الطللية لنتحدث عن قرار بنك المغرب تخفيض سعر الفائدة عن القروض التي يمنحها يوميا للأبناك المغربية من أجل ضخ السيولة في شرايينها، وتشجيعها على تمويل الاقتصاد الوطني وإقراض المقاولات والأفراد…
هذا لا يعني أن الأبناك التسعة عشر ستخفض أوتوماتيكيا سعر فوائدها للزبناء. إلى الآن لم نسمع سوى تصريح محتشم من إدارة بنك عثمان بنجلون (BMCE) تقول فيه إنها ستأخذ قرار بنك المغرب يعين الاعتبار وستفكر في تخفيض سعر الفائدة للزبناء، لكن بما لا يؤثر على التوازنات الدقيقة للبنك، أما باقي الأبناك، التي تجني أرباحا خيالية من وراء نشاطها البنكي، فأخذت هدية البنك المركزي وسكتت…
هناك مشكل حقيقي لدى المواطنين، أفرادا ومقاولات، مع الأبناك المغربية، أو قل المغربية الفرنسية (الرأسمال الأجنبي موجود في 11 بنكا من أصل 19 الموجودة بالمغرب). هذا المشكل هو التالي: الأبناك تقرض الأغنياء لا الفقراء، والأبناك تتبع سياسة احترازية متطرفة فتخنق المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتمنع عنها دماء التمويل البنكي، والأبناك تقرض الأفراد بسعر فائدة عالٍ جداً وبعقود إذعان لا حرية فيها ولا اختيار ولا عدالة، والأبناك، أخيراً وليس آخراً، تتصرف في الغالب ككازينو قمار تربح بدون جهد ولا مخاطرة، وفوق ما يتصوره العقل.
الأبناك المغربية لها لوبي قوي يدافع عنها في الرباط وباريس، ووالي بنك المغرب يمشي على البيض عندما يكون في طريقه إلى اتخاذ قرار أو إجراء ضد هذه الأبناك، لهذا فالبنك المركزي لا يلعب دور دركي القطاع البنكي ولا حتى دور المخزني.. إنه يتصرف بحذر شديد مع هذه الحيتان الكبيرة، التي تمتلك حاسة مفرطة لاستشعار الخطر على مصالحها. يكفي أن نعرف أن ثلاثة أبناك من أصل 16 تحوز نصف رقم معاملات القطاع، وأن الأرباح التي يجنيها القطاع البنكي وشركات التأمينات المرتبطة به لا يجنيها قطاع آخر إطلاقا، وأن التنافس بين هذه الأبناك عملة نادرة، والذي يريد الدليل ما عليه إلا أن يرجع إلى التقرير الذي أعده مجلس المنافسة السنة الماضية، وقال فيه إن «هناك ثلاثة أنواع من الحواجز أمام الرأسمال لدخول القطاع البنكي، تنظيمية وبنيوية واستراتيجية، وكلها متعارضة مع روح المنافسة» (الصفحة 52 من التقرير السنوي للمجلس)…
أكثر من هذا كتب مجلس المنافسة، في التقرير نفسه، أسود فوق أبيض، أن «اتفاق الأبناك على أسعار الفائدة القصوى (و«توريط الدولة في توثيق هذا الاتفاق غير القانوني بمرسوم وزاري» هذه الجملة من عندي) أمر مخالف لمبدأ المنافسة، كما أن عدم أداء الأبناك أي شيء للزبون على الودائع تحت الطلب أمر غير مقبول».
المجلس قال أيضاً إن الأبناك تعرقل أي وافد جديد على السوق، كما أنها تقيد حرية الأفراد في الانتقال من بنك إلى آخر، وذلك عبر ربط الزبناء بمدد تعاقد طويلة، والرفع من كلفة الانتقال من بنك آخر، أو إقفال الحسابات، كما أن الزبناء يواجهون مشاكل عدة مع الأبناك، مثل عدم استرداد تكاليف الخدمات التي لم يستهلكوها أو لم يحصلوا عليها، كالتأمينات المؤدى عنها عن القروض العقارية، أو اشتراكات البطاقات البنكية…
في 2006، فقط، فرض بنك المغرب على الأبناك تقديم 16 خدمة بشكل مجاني، لكن قليلة هي الأبناك التي تلتزم بالقانون، بل هناك تكاليف يدفعها المواطن لا يمكن أن يقبلها العقل. تصور أنك تحتاج إلى إخراج 100 درهم من حسابك الخاص وليس معك البطاقة البنكية، ووجدت أن أقرب وكالة للبنك الذي أنت منخرط فيه ليست تلك الوكالة التي فتحت الحساب فيها أول يوم، فأنت عندما تقدم لهم شيكا لاستخراج 100 درهم تدفع مقابل هذه الخدمة -إن كانت خدمة أصلا- 30 درهما لأنك ارتكبت «جريمة» استخراج مالك الخاص من وكالة غير الوكالة التي فتحت فيها الحساب أول مرة، حتى إن كانت وكالة تابعة للبنك نفسه في المدينة نفسها!
في بريطانيا خسر بنك مشهور قضية بملايين الجنيهات السنة الماضية لأنه يقتطع من حسابات زبنائه أقل من جنيه إسترليني عن كل عملية بنكية تتم خارج بريطانيا، ورغم أن وثيقة التعاقد نصت على هذا الاقتطاع إلا أن المحكمة اعتبرت أن ذلك فيه تدليس على المواطنين البريطانيين، لأن البنك كان يسوق خدماته في الإشهار على أساس صفر تكاليف عن إدارة الحساب، ولأن الناس لا يقرؤون وثيقة التعاقد الأولى الطويلة جداً والمكتوبة بأحرف صغيرة، ولكنهم يحكمون على الأبناك انطلاقا من خطابات الدعاية والتسويق العمومية، وعلى هذا الأساس يختارون الأبناك وخدماتها!
هناك الملايين من زبناء الأبناك في المغرب، ولا توجد جمعية واحدة للدفاع عن مستهلكي الخدمات البنكية، وهناك عشرات وسائل الإعلام المتخصصة في الشؤون المالية والاقتصادية، لكن أغلبيتها الساحقة لا تفتح فمها أمام بنك أو شركة تأمين، أما السبب فتعرفونه ولا شك…