تغير قواعد اللعبة بين المغرب والجزائر

تغير قواعد اللعبة بين المغرب والجزائر

المغرب اليوم -

تغير قواعد اللعبة بين المغرب والجزائر

توفيق بو عشرين

أبعد من الرد على إهانة بان كي مون للمغرب في موضوع حساس مثل موضوع الصحراء، هناك تفسير أعمق لرد الفعل المغربي الغاضب، ولجو التعبئة الذي أعدت له الدولة بعناية لتمرير رسائلها، وللانتقال من وضع إلى وضع، وإعادة التموقع في النزاع الذي طال أمده، سواء على الأرض أو في مكاتب الأمم المتحدة. إليكم قراءة للسيناريو الممكن لإدارة هذا النزاع بطريقة أخرى.
قبل أن نعرض خلفيات الموقف الدبلوماسي والسياسي المغربي الجديد، لا بد من إطلالة على موازين القوى بين المغرب والجزائر. هذه الموازين تغيرت كثيرا منذ خمس سنوات على الأقل، وهذا التغير له عنوانان كبيران؛ أولا، في المغرب استقرار سياسي، وعملية ديمقراطية بدأت مع الربيع العربي ومازالت مستمرة، وقبلها أفرز الحراك المغربي دستورا جديدا وحكومة تمثيلية، ووضعا اقتصاديا تعتبره المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها البنك الدولي، وضعا مطمئنا رغم كل النواقص التي يعيشها نسيج الاقتصاد المغربي، أما في الجزائر فرئيس الجمهورية مريض، وحوله انقسام حاد وغير مسبوق بين الجنرالات من جهة، وبين السياسيين من جهة أخرى، حول توقيت خلافة بوتفليقة، والاسم المرشح لدخول قصر المرادية، وموقع الجيش الجديد في إدارة السلطة والثروة. وحتى التعديلات الدستورية التي جرت حديثا، جاءت متأخرة أربع سنوات عن موعدها، ولم ترض أحدا، علاوة على أن الوضع الاقتصادي كارثي نتيجة انهيار أسعار النفط، التي أصبحت تسبب عجزا مزمنا في ميزانية الجزائر كل شهر، في بلاد تدفع فاتورة ثقيلة للحفاظ على السلم الاجتماعي من خلال دعم الدولة لمواد استهلاكية كثيرة، ومن خلال التوظيف الشكلي في الإدارات العمومية لمئات الآلاف من الشباب.
العنوان الثاني لتغير موازين القوى بين الجارين المتباعدين هو أن المغرب تموقع بشكل جيد في خريطة المخاطر الدولية والرهانات الجيو-استراتيجية، فهو عنصر ناشط في استراتيجية محاربة الإرهاب، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا، وهو مشارك في الحرب على داعش وفي التحالف السني الذي تقوده السعودية، وهو شريك معتمد لأوروبا في تبادل المعلومات، وترصد الجهاديين الجوالين، وعلى أرضه سيقام هذا العام أكبر لقاء عالمي حول تغيرات المناخ، وهو يستعد لعرض تجربته في إنتاج الطاقات النظيفة على أنظار العالم، هذا في الوقت الذي تعتبر الجزائر بلادا مغلقة على نفسها، لا تتحدث مع محيطها الدولي سوى بلغة صفقات التنقيب عن النفط والغاز. لقد انكفأت الجزائر على نفسها منذ انطلاق الربيع العربي ومرض الرئيس، فهي تعتبر جزءا من المشاكل الأمنية في ليبيا وتونس ومالي، وهي نفسها عاجزة عن القضاء على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي ينشط فوق أرضها، وقد يتقوى هذا التنظيم أكثر بعدما بايع جزء منه البغدادي ودولة خلافته التي توجد في سرت الليبية، هذا علاوة على أن علاقة الجزائر متوترة جدا مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لاعتراض بوتفليقة على سياسة السعودية النفطية، حيث تحمل الجزائر الرياض مسؤولية إغراق السوق العالمي بملايين براميل النفط لدفع الأسعار إلى النزول من أجل حرمان إيران من مداخيل النفط. والجزائر، ثانيا، تعارض سياسات دول الخليج في لبنان وليبيا وإيران، هذا في الوقت الذي أصبحت الجامعة العربية مشلولة، فيما فقد المثلث الإفريقي (الجزائر-جنوب إفريقيا-نيجريا)، الذي كان بوتفليقة يوجهه ضد الرباط كسلاح دبلوماسي، قوته وفعاليته وحيويته لاعتبارات كثيرة؛ أولها انهيار أسعار النفط وتصاعد مخاطر الإرهاب وحركاته المعششة في دول جنوب الصحراء.
هكذا يبدو ميزان القوى من فوق وقد تغير كليا عما كان سائدا من قبل بين الجارين، لهذا يسعى المغرب الآن إلى ترجمة جزء من هذا التفوق الاستراتيجي الذي في حوزته على إدارة نزاع الصحراء، وذلك من خلال دفن مشروع الحل القانوني القائم على استفتاء تقرير المصير، ولهذا طلبت الرباط من موظفي الأمم المتحدة المكلفين بتحديد الهوية الانسحاب من الصحراء لأن وجودهم لم يعد له مبرر. رسالة المغرب من وراء التصعيد مع بان كي مون والاستغناء عن موظفي الأمم المتحدة أن هناك حلا واحدا ممكنا لهذا الصراع الإقليمي هو الحل السياسي القائم على حكم ذاتي للصحراويين في ظل السيادة المغربية، هذا الحل الذي اعتبره مجلس الأمن، في أكثر من قرار، حلا جديا وذا مصداقية.. هذا هو المطروح على الطاولة اليوم وليس شيئا آخر.
يوم قبل الحسن الثاني وضع ملف الصحراء في الأمم المتحدة سنة 1991، وكان قد سبق ذلك انهيار الكتلة الشرقية التي كانت الجزائر جزءا منها سنة 1990، والقبول بدخولها إلى رمال الصحراء لمراقبة إطلاق النار، وسبق ذلك عقد مؤتمر مراكش لتأسيس المغرب العربي سنة 1989، وسبق ذلك فتح باب المفاوضات السرية مع البوليساريو سنة 1988 بحضور ولي العهد آنذاك، لهذا فإنه أدخل الملف إلى الأمم المتحدة لأنه ضمن أن أعداءه صاروا بلا أظافر ولا أسنان، وأن التحولات على الأرض تخدمه ولا تخدم خصومه، أما الآن فإن الوضع الجديد تغير كليا، وحجم المتاعب التي تسببها الجزائر للمغرب في أكثر من ساحة بسبب ملف الصحراء، تتطلب ردا من نوع آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغير قواعد اللعبة بين المغرب والجزائر تغير قواعد اللعبة بين المغرب والجزائر



GMT 06:00 2016 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

أوباما وبان… والقلق

GMT 06:45 2016 الإثنين ,11 تموز / يوليو

كلام بان كي مون عن الصواريخ يريح إيران

GMT 06:35 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

بان والمغرب واستعادة الثقة

GMT 08:01 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

بين الرباط وبان كي مون

GMT 14:02 2016 السبت ,19 آذار/ مارس

بهدوء

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya