توفيق بو عشرين
الموتى هم من صنعوا الحدث في السنة التي نودعها وليس الأحياء، وهذا لوحده مؤشر يعطي فكرة عن نوع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نعيشها في المملكة السعيدة.. حد الركود.
رحل السي أحمد الزايدي عن دنيانا في بركة ماء تحت قنطرة صغيرة بقرية وادي الشراط، فصدم الرأي العام من هذا الرحيل المفاجئ، وخرج الناس، من كل لون واتجاه وموقع، يبكونه ويودعونه إلى مثواه الأخير، ومن قلب هذا الموت المفجع انتبه كثيرون لسيرة الرجل، وأخلاقه وطيبوبته، والقيم التي كان يدافع عنها في حزب يعيش مخاضا عسيرا بين من يدافعون عن الوفاء لهويته وتاريخه وأصله، وبين من يريدون أن يفصلوه قطعة قطعة لبناء سلالم صغيرة للصعود إلى المواقع والمناصب بأي طريقة… الذين خرجوا إلى المقبرة لوداع الزايدي -رحمه الله- كانوا في الوقت نفسه يؤبنون حزبا كان نجما لامعا في سماء السياسة في البلاد، وأصبح مريضا لا يفارق غرفة الإنعاش…
الرحيل الثاني الذي صنع الحدث الكبير هذه السنة، هو وفاة وزير الدولة واليد اليمنى لبنكيران، السي عبد الله بها رحمه الله. لم يصدق جل الناس حكاية الموت تحت عجلات القطار في المكان نفسه الذي توفي فيه الزايدي. كانت الصدمة كبيرة، ومع الحزن انتبه الناس إلى حكمة الراحل وهدوئه وأخلاقه، وكيف كان من دعاة الحفاظ على شعرة معاوية مع الجميع، وكيف كان ينظِرُ إلى التعاون بين الفرقاء جميعا، وكيف كان يوصي إخوانه بالإصلاح في ظل الاستقرار، وبالتعاون عوض الصراع، وبإدخال الديمقراطية إلى جبة التدين حتى لا يصير تعصبا وتطرفا…
الحدث الثالث الذي صدم الرأي العام هو اغتيال الطالب عبد الرحيم الحسناوي على يد طلبة «برنامج القتل المرحلي».. طلبة لحس التطرف اليساري والطفولي عقولهم، وتصوروا أن السيوف والخناجر هي أفضل وسيلة لحسم الصراع مع الأصوليين من زملائهم الطلبة. مقتل الحسناوي التراجيدي نبه الناس إلى جريمة أكبر وهي مقتل الجامعة المغربية منذ سنين، وتحول الحرم الجامعي إلى ساحة لقتل الأمل في نفوس الآلاف من الشباب الذيk فشلوا في دخول المدارس الكبرى والجامعات الأوروبية، فلجؤوا، في ما يشبه الانتحار التعليمي، إلى جامعات لم تعد تصلح إلا لأن تكون ساحات لقتل البشر أو لقتل الوقت، والأمر سيان في حياة الشعوب…
الحدث الرابع الذي استأثر باهتمام الناس هو غرق 52 مواطنا فقيرا في فيضانات الجنوب، فيما لم تنجح الدولة (إدارة ومنتخبون) في مد يد العون لأحد، حتى إن الأموات، الذين أوصى الله بتكريمهم، حملوهم في شاحنات الأزبال عنوانا على قيمة البشر في هذه البلاد. وعوض أن يفتح تحقيق جدي ومعمق حول مسؤولية ما وقع، سمعنا المسؤولين يقولون إنهم كانوا ينوون متابعة الأموات لو بقوا أحياء لأنهم لم يستمعوا إلى النشرات الإنذارية في تلفزة العرايشي. من حسن الحظ أن الله أخذهم إلى جواره ولم يتركهم بين أيدي هؤلاء…
الحدث الآخر الذي استقطب اهتمام المغاربة في السنة التي نودعها هذه الأيام هو تحول البرلمان إلى حلبة ملاكمة بين الزعيم الأشهر شباط والبرلماني اللبار، حيث دخل الاثنان في عراك شرس ودامٍ وخطير في البرلمان، بعد لحظات من خطاب الملك في افتتاح الدورة الخريفية لمجلس الأمة، حيث أوصى البرلمانيين خيرا بالأخلاق وأدب الحوار وتقاليد العمل البرلماني، فما هي إلا لحظات حتى جاء الجواب من العمدة الأشهر في العالم، وتابِعُهُ الدكتور الكيحل الذي تصرف مع اللبار بما يليق به. لكمات شباط لم تغطِّ على كلماته التي اتهم بها رئيس الحكومة بالعمالة للموساد والولاء لداعش، وهلم حمقا ورعونة وقلة احترام لذكاء الناس، وهو ما أصبح الناس يقدمونه كأدلة دامغة على كفرهم بالسياسة واحتقارهم للسياسيين…
هل أزيد من المحن التي عشناها هذه السنة؟ سأتوقف، لكن قبل ذلك أنهي هذه الكلمات بالوقوف على فضيحة العشب، وسابقة وزير «الكراطة» حيث تورط الوزير محمد أوزين في أزمة لم يعرف كيف يخرج منها، لا هو ولا الحكومة، فلا هو استقال من المنصب للحفاظ على كرامته، ولا رئيس الحكومة أقاله للحفاظ على منطوق الدستور. الجميع رجع إلى الوراء، وتركوا الملك يتدخل ليوقف الوزير الذي صار مثل مستخدم يتعرض لعقوبة من مشغله، والغرض هو تهدئة النفوس التي مازالت غاضبة من تحول المغرب إلى مادة للسخرية حول العالم لأنها بلاد لا تعرف كيف تعد ملعبا لتدحرج الكرة لمدة 90 دقيقة…
طبعا هناك أحداث أخرى وردية وقعت هذه السنة لم نتحدث عنها هنا، لأن وظيفتنا كصحافيين أن نتحدث عن القطارات التي تتأخر عن موعدها، لا عن القطارات التي تدخل إلى المحطة في وقتها.. هي ذي طبيعة المهنة، كل عام وأنتم بخير…