توفيق بو عشرين
ثمة مشهد سينمائي شهير عن لقاء بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد في فيلم «King Richard and the crusaders»… أراد القائد المسيحي أن يبهر القائد المسلم بقوته، فتناول سيفه وضرب به قطعة حديد فكسرها. وكان رد صلاح الدين أنه رمى منديلا في الهواء وضربه بسيفه فشقه إلى قطعتين. في النهاية انتصرت حكمة صلاح الدين وانهزمت قوة ريتشارد.
الحكم رأي قبل شجاعة الشجعان، والمعرفة شرط في السياسة، والاستشارة ضرورة في إدارة الشعوب، وأسوأ من الجهل ألا يعرف الحاكم أنه لا يعرف كل شيء. صدام حسين كان أشجع حاكم في القرن الماضي، لكنه يوم أعدم أخذ بلده معه إلى القبر، ومازالت العراق تذبح بين النهرين، ومعمر القذافي تصور أنه أكبر مفكر في التاريخ، وبيده أهم كتاب في الكون «الكتاب الأخضر»، ثم مات مثل الجرذان، لكنه ترك بلادا توقف نموها لمدة أربعين عاما. ولكم أن تتصوروا شعبا نام أربعة عقود ثم استيقظ مرة واحدة… علي عبد الله صالح كان أكثر حاكم يتقن الرقص فوق رؤوس الثعابين، وأمهر من يقسم شعبه ويجزئ أمته، وفي النهاية تحالف مع ألد أعدائه لإسقاط الدولة والرجوع إلى حكم القبيلة…
الحسن الثاني ملك مثقف لكنه مات ونصف شعبه أمي والنصف الآخر لا يقرأ. كان يرى في المتعلم مشروع معارض، وكان، رحمه الله، يفلسف الجهل عندما يميز بين التعليم والتربية، على أساس أنه يربي شعبه دون أن يعلمه بالضرورة. انظروا الآن، لقد صار لنا ثالث كتيبة في جيش البغدادي بعد تونس والسعودية…
زين العابدين بحث عن السلطة والابن الذكر، وعندما اجتمعا له في خريف العمر دخل إلى سجن الطرابلسية ولم يخرج إلا إلى المنفى في جدة. لم يستمع إلى كل الذين نبهوه إلى أن البلاد لا يمكن أن تحكم من غرف النوم، وأن زوجته ليلى صارت هي حاكمة قرطاج مع عائلتها التي كانت تتنصل منها عندما كانت تحترف مصاحبة أهل السلطة…
حسني مبارك كان يعتقد أنه وضع الشعب المصري في جيبه، وأن مجهوده لا يجب أن يضيع بعد وفاته، ولهذا بدأ يعد جمال لخلافته، فانتهى الاثنان في السجن، لكن مصر من دفعت الثمن الأكبر…
عندما سقط مبارك احتفل بشار الأسد بسقوط عجوز معسكر المهادنة على أساس أنه هو يمثل معسكر الممانعة، ولم يعرف أن مبارك انسحب من الحكم للحفاظ على ما بقي من النظام، فيما هو فضل انهيار البلاد على الانسحاب من الحكم. اليوم وصل تعداد القتلى إلى 200 ألف، ووصل عدد التلاميذ الذين لم يلتحقوا بمدارسهم إلى النصف، وعدد اللاجئين في الداخل والخارج إلى نصف السكان. هل يستحق الحكم كل هذه الفاتورة؟
عمر البشير قصة لوحده.. جاء على ظهر الإسلاميين والدبابات إلى السلطة، وأكل الإسلاميين في الطريق، ولم يبق عنده إلا الجيش. خسر الجنوب فازداد تسلطا. أصبح له ملف ثقيل في المحكمة الجنائية الدولية فصار يرقص أكثر. أصبح مطلوبا للأنتربول في الخارج فتفرغ للسياحة الداخلية… حاكم لا يفهمه إلا أصدقاؤه العسكر، وهذا يكفيه إلى الآن على الأقل.
شعوب هذه المنطقة تتفرج على رؤساء أوروبا وأمريكا وآسيا يدخلون ويخرجون من السلطة بسهولة ويسر فيما حكامها يقبعون فوق الصدور لا يتحركون، وإذا تحركوا فإلى القبر أو المنفى. الشعوب العربية كتلة هائمة على نفسها، إذا سكتت تجبر الحاكم، وإذا تحركت تآمر عليها الداخل والخارج. إذا ثارت تخرج لها داعش، وإذا صمتت يأكلها القهر. ألا توجد مصحة نفسية لعلاج الحكام العرب من مرض السلطة وجنون العظمة وداء الانفصال عن حقائق العصر؟
أمة تقرأ كل يوم في كتابها المقدس: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» لكنها تصر على إنتاج الظلم والقهر والاستضعاف.. صدق الإمام علي عندما قال: «الناس من خوف الذل في ذل».