توفيق بو عشرين
لم يفوت رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، فرصة الحديث وجها لوجه مع رجال الأعمال الخليجيين، أمس، حيث حضر افتتاح الملتقى الرابع للاستثمار الخليجي المغربي الذي انطلق بالدار البيضاء. جاء بنكيران إلى العاصمة الاقتصادية وفي جيبه رسائل سياسية يريد أن يضعها في علبة بريد الخليجيين، وهو يعرف أن دول النفط العربي مصابة هذه الأيام بحساسية مفرطة من الربيع العربي ومن الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة على ظهر هذا الربيع، لهذا حاول بنكيران بدهائه أن يطمئن الخليجيين، وأن يزيل من أذهانهم الصورة التي تجعلهم يضعونه في سلة واحدة مع الإخوان المسلمين.
قال بنكيران في كلمة مرتجلة أمام 500 من رجال الأعمال الخليجيين والمغاربة: «إن كل ما يلج المغرب «يتمغرب»، خذوا مثلا الشاي الصيني، فكأنه ولد وأنتج في المغرب، لقد «مغربناه» بالبراد الذي لا يوجد إلا في هذه البلاد، وأضفنا إليه النعناع الذي لا يوجد في أي بلد آخر، فمن يشرب الشاي المغربي يقسم بأيمانه أن هذا المنتوج مغربي مائة في المائة رغم أنه دخل إلى البلاد قبل 100 سنة فقط».
ماذا يعني هذا الكلام؟ بنكيران يريد أن يقول لدول الخليج ولساستها إن «الإسلام السياسي»، وإن أتانا من الشرق من مصر ومن سوريا وبعد ذلك من السعودية، فإنه لم يبق على حاله في المغرب، تماماً كما الشاي الصيني، وذلك لأن هناك آلة اسمها «تامغربيت» تعيد تشكيل الأفكار والإيديولوجيات والمنتوجات، وكل وافد على هذه البلاد إلا وتأكله وتهضمه وتعيد تشكيله من جديد، لهذا يريد بنكيران أن يقول إنه لا يشبه الإخوان المسلمين في مصر، ولا أيا من التيارات السياسية التي تقلق بال عواصم الخليج اليوم…
وبما أن اللقاء عربي مائة في المائة، كان على بنكيران أن يذكر من حضروا بالربيع العربي ليتأكد من أن رسائله وصلت على «صينية أتاي والبراد». قال رئيس الحكومة: «إن الربيع العربي جاء مزمجرا، لكنه عندما دخل إلى المغرب مغربناه كذلك، وطوعنا رياح الربيع العربي، وهي التي رفعتنا بعد ذلك إلى رئاسة الحكومة».
هذا الكلام له معنى واحد.. بنكيران يريد من ساسة الخليج ألا يضعوه مع الإخوان المسلمين في سلة واحدة، وألا يربطوا بين استثماراتهم في المملكة وأية أجندة سياسية أو إيديولوجية، كما فعلوا في تونس ومصر والبحرين وسوريا واليمن وغيرها من دول الربيع العربي، حيث اعتبروا أن أولوية الأولويات في المرحلة الراهنة هي إجهاض تلك الثورات حتى لا تصل إليهم شرارتها…
الجميع يعرف اليوم أن في السعودية والإمارات والكويت والبحرين هاجسا يكبر يوما بعد آخر اسمه الحركي هو التصدي لصعود الإسلاميين إلى السلطة، لأنهم، حسب الخطاب الإعلامي والسياسي الرسمي لهذه الدول، فصيل ظلامي منغلق يسعى إلى الاستيلاء على السلطة وإقصاء خصومه، وإدخال المنطقة في حروب دينية مع الغرب، لكن الخبراء يعرفون أن تحت هذا الاسم الحركي يوجد اسم حقيقي لهذه الهواجس هو الخوف من الديمقراطية، التي ستعصف باحتكار السلطة والثروة في إمارات النفط من قبل العائلات المالكة، والنخب المحيطة بها. هذا هو جوهر الحرب الخليجية على الثورات العربية، أما حكاية الإسلام المنغلق والأصولية المتطرفة فما هي إلا قميص عثمان لأن هذه الدول وأنظمتها وتحالفاتها مع المؤسسة الدينية الرسمية هي المسؤولة عن ميلاد الفكر السلفي الجهادي، والفكر السلفي المتخلف كما يجسده حزب النور في مصر وسلفيو تونس على سبيل المثال لا الحصر…
المغرب اليوم يفتح ذراعيه للاستثمارات الخليجية على قاعدة «رابح رابح»، لكن في الوقت نفسه فإن المملكة المغربية لها حساسية مفرطة من أية أجندة سياسية أو إيديولوجية لدول الخليج في المغرب، أو وجود حسابات لأي صندوق استثماري سياسي يريد أن يلعب في الحقل السياسي أو الإعلامي، كما جرى في مصر وتونس وليبيا واليمن، حيث طائرات حفتر تزود بمال خليجي، وحيث السيسي يقتل ويذبح بسكين خليجي، وحيث تونس تجابه مخططات لزعزعة استقرارها قادمة من غرفة عمليات في الخليج. نحن نريد أن نبقى بعيدين عن هذه الفتنة، وإذا دخل شيء إلى المغرب فعليه أن يمر من مصفاة البراد…