الدين والآخر

الدين والآخر

المغرب اليوم -

الدين والآخر

ادريس الكنبوري

يسلط "المؤشر العربي 2014"، الذي ظهرت نتائجه قبل أيام عن"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، الكثير من الأضواء على القضايا المختلفة التي تهم المواطن العربي اليوم، مثل الموقف من المؤسسات الحكومية والديمقراطية والمجتمع المدني والمشاركة السياسية وسواها، وهي القضايا التي لا تزال تشغل الشارع العربي ـ أو الشوارع العربية بالجمع ـ بسبب أن التجارب السابقة ظلت تدور حول نفسها مثل الرحى، لا طحنت زرعا ولا سكتت عن الضجيج، وهو ما جعل المواطن العربي يعيش حالة انتظار دائمة ومفتوحة، لم يزدها ما سمي بالربيع العربي سوى التهابا.

وما يهمنا التطرق إليه هنا هو الشق المتعلق بمكانة الدين في المجتمعات العربية، من خلال النتائج التي أظهرها المؤشر. وهو شق عريض يتطلب دراسات تحليلية أوسع، ولكننا سنتوقف عند محورين أساسيين، يتعلق أولهما بالموقف من الآخر داخل نفس العقيدة، ويتعلق ثانيهما بالآخر خارجها.

مما لا شك فيه أن مرحلة "الربيع العربي" وما بعدها قد شكلت منعطفا مهما جدا في ما يتعلق بحضور الدين في المجال العام، وهذا تحول لعله لم يحصل طيلة تاريخ الإسلام قاطبة. من ناحية كان هناك سقوط المركزية في الخطاب الديني، ومن ناحية ثانية كانت هناك حالة من الشتات في الخطابات الدينية غير الممركزة، وهي سمة طبعها الصراع بين الفاعلين في المجال الديني ووضعية استقطاب حادة، أما من ناحية ثالثة فقد كان هناك عنف غير مسبوق يستمد مسوغاته من النظريات الدينية نفسها، ليس هذا فحسب، بل هو يزايد على الاختيارات الأخرى دفاعا عن مشروعية العنف، ورغم أن هذه الوضعية الأخيرة لها ما يماثلها في تاريخنا الإسلامي، إلا أن أشكال التعبير عنها وأنماطها السلوكية تطورت بشكل لا نظير له.

والواضح أن هذه التحولات الجوهرية التي مست العمل الديني، إن من ناحية الأسس، أو من ناحية المظاهر السياسية والاجتماعية، قد أثرت على مواقف الرأي العام العربي تجاه قضية حضور الدين في المجال العام، فبالقدر الذي أصبح الدين أكثر حضورا في هذا المجال العام بالقدر الذي أصبح فيه هذا الحضور قضية شخصية تحفز المواطن العربي على تحديد موقفه، بحيث إن الدين لم يعد حزمة من التعاليم الأخلاقية والتعبدية فقط، بل أصبح صناعة خاضعة لتقنيات متعددة، مثله مثل أي فلسفة أخرى، ليبرالية أو غير ليبرالية، تتداخل فيها الصورة والخطاب والبهارات السياسية وسيكولوجية التلقي والجمهور.

ولأن الدين هو، بالأساس، خطاب في الهوية، بالمعنى المتعالي، فإن حضور الآخر في هذا الخطاب هو حضور أساسي وجوهري. ولو نظرنا إلى قضية التكفير، على سبيل المثال، التي أصبحت الأساس الذي تقف عليه الجماعات المتطرفة، لوجدنا أنها في مضمونها الفكري والفلسفي خطاب حول الآخر، أو إعادة صياغة الآخر دينيا، وتحديد موقعه إزاء الهوية التي ينطلق منها المكفر، سواء كان هذا الآخر موجودا داخل المعتقد المشترك، أو خارجه.

ومن هذه الزاوية فإن التحولات الأخيرة في العالم العربي، في المجال الديني، قد دفعت المواطنين العرب إلى اتخاذ مسافة شعورية ومعرفية من هذه القضية الشائكة. فحسب"المؤشر العربي" ارتفعت نسبة المؤيدين"بشدة" لمقولة"ليس من حق أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى الأديان الأخرى"، من 27 في المائة في مؤشر سنة2012/2013، إلى 30 في المائة في المؤشر الحالي، بينما حفظت فئة المؤيدين على نفس النسبة في كل من المؤشرين، وهي 40 في المائة، بينما بقيت فئة المعارضين "بشدة" في نفس الموقع أيضا، وهي 6 في المائة، وهو رقم له مدلوله الخاص، يشير إلى أن القاعدة الأوسع من الرأي العام العربي تمثيل إلى تغليب كفة التسامح، مع ملاحظة أن نسبة المعارضين قد انخفضت بنقطة واحدة بين المؤشرين، لتنزل من 15 إلى 14 في المائة، لنجد أن نسبة المعارضين على الجملة هي 20 في المائة، لكن دون أن نغفل الترابط الدينامي بين الفئتين، باحتمال انتقال فئة المعارضين إلى فئة المعارضين"بشدة"، والعكس وارد أيضا.

أما مقولة "ليس من حق أي جهة تكفير الذين يحملون وجهات نظر مختلفة في تفسير الدين" فقد حازت اهتماما أوسع، ربما نظرا لموجة التكفير الديني في الإسلام وانتشار الجماعات المتطرفة، حيث انتقلت نسبة المؤيدين"بشدة" من 27 في المائة في آخر مؤشر إلى 32 في المائة في المؤشر الحالي، مقابل تقلص نسبة المؤيدين من 42 إلى 41 في المائة، لكن هذا التراجع لا يبدو مهما أمام تراجع آخر في فئة المعارضين، التي تقلصت من 14 إلى 12 في المائة، بينما حافظت فئة المعارضين بشدة على نفس الموقع، وهو 5 في المائة.

والخلاصة هي أنه ليس من الضروري قراءة التحولات الراديكالية التي يمر منها الإسلام اليوم باعتبارها تحولا في الذهنية العامة نحو مزيد من التشدد، بل العكس، فثقافة التسامح هي التي ستنتصر في النهاية على موجات الغاضبين باسم الدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والآخر الدين والآخر



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya