إبن تيمية ليس شيعيا

إبن تيمية ليس شيعيا

المغرب اليوم -

إبن تيمية ليس شيعيا

ادريس الكنبوري

الاحتفالات بمناسبة عاشوراء لهذا العام مختلفة تماما، خاصة في إيران. في الماضي اعتادت الدولة الإيرانية على جعل تلك الاحتفالات السنوية التي ترمز إلى مقتل الحسين، الإبن الأكبر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، في واقعة كربلاء، مناسبة لبعث الرسائل السياسية في الداخل والخارج. فعاشوراء التي كانت مناسبة دينية لدى الشيعة، أصبحت منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران نهاية السبعينيات من القرن الماضي مناسبة سياسية، تداخل فيها البعد الديني التاريخي مع البعد القومي السياسي.

لكن احتفالات هذا العام مغايرة لاحتفالات السنوات الماضية، منذ سقوط الشاه؛ والسبب هذه التحولات العظمى التي تحصل داخل الإسلام نفسه، بوصفه دينا يقعد تحت ظله العشرات إن لم تكن المئات من المذاهب والطوائف، تدور كلها حول ساريتين كبيرتين تشدان الخيمة، هما السنة والشيعة. ذلك أنه منذ الإعلان عما يسمى بـ"الدولة الإسلامية في سوريا والعراق" تغيرت طبيعة الخطاب السياسي ـ الديني لدى إيران، ولم يعد ذلك الخطاب يلبس لبوس السياسة في مهاجمة الدول الراعية للأحداث الدائرة في سوريا منذ أربع سنوات تقريبا، بل بات يرتدي رداء الدين أيضا. وتعرف إيران، كما تعرف الدول العربية في المنطقة بوجه خاص، أن فصل الدين عن السياسة، في الحرب كما في السلم، هو بمثابة فصل المياه الجارية في الأنبوب عن الأنبوب.

في الحديث عن العلاقات العربية ـ الإيرانية، أو العربية ـ الفارسية كما كان يقول القوميون المتشددون، يتم إغفال هذه النقطة، وهي أن العرب والفرس لم يجتمعوا أبدا في تاريخهم لخوض حرب مشتركة، ما عدا في مرحلة الحروب الصليبية. لكن هذه الشراكة يمكن أن تتجدد في الوقت الحالي، في مواجهة التطرف الديني والنزعات التكفيرية التي بدأت تجتاح العالم الإسلامي، في القلب والأطراف. بعض هذا الذي سيحدث في اعتقادنا ظهرت معالمه مع التساهل الكبير تجاه الاحتفالات الشيعية بموسم عاشوراء في عدد من الدول العربية، خلافا للماضي.

غير أن إيران تسعى اليوم إلى إعطاء الخلاف السني ـ الشيعي نبرة مختلفة عما عهدناه؛ فالأمر لا يتعلق اليوم بالتركيز على محبة أهل البيت أو محاربة الاستكبار العالمي، سيرا على نهج الحسين عليه السلام، في التأويل الشيعي؛ بل بالتأكيد على جوهر الاعتدال في التشيع ونبذ العنف والتطرف. ويمكن القول بأن هذا التوجه الجديد في التشيع السياسي الإيراني يعتبر عودة غير معلنة إلى تراث علي شريعتي في قراءة الموروث الشيعي، التراث الذي يربط بين التشيع والتحرر والاعتدال والعقلانية ونبذ العنف؛ وهو التراث الذي ارتكز عليه الخميني في صياغة معجمه المفاهيمي قبل الثورة، من أجل إعطاء هذه الأخيرة روحها الثورية.

في الاحتفالات التي أقيمت في طهران هذا الأسبوع بمناسبة عاشوراء، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الإمام الحسين هو"السبب" في قيام المعنى الحقيقي للإسلام والقرآن في المجتمع؛ فعندما"سُلب" الناس المعنى الحقيقي لهما، جاء الإمام الحسين لكي يبادر إلى"حفظ الدين". ويتناغم هذا الخطاب اليوم مع النشاط الإعلامي الإيراني المكثف ضد المسلمين السنة، وخاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، من أجل مهاجمة السلفية، وتصويرها كتيار مسؤول عن إنتاج التطرف داخل الإسلام. وتشكل هذه التعرية للوجه السلفي في الإسلام الصورة المقابلة لتبرئة الوجه الشيعي فيه؛ ذلك أن هذا الخطاب الإيراني الجديد لا يصطنع تمييزا بين المذهب السني والسلفية المتطرفة، بل يحاول ضمنيا الإيهام بالاندماج بين الإثنين، من أجل إبراز التميز الشيعي، على اعتبار أن السلفية نشأت داخل الحاضنة السنية، وأن ابن تيمية ـ الذي ينتسب إليه دعاة السلفية أو يدعون الانتساب إليه ـ ليس شيعيا.

لكن إيران تنسى أو تتناسى أن معركة المذهب السني مع التطرف السلفي أكثر حدة من معركة التشيع معه، فهو أولا خرج منه، عقديا وتاريخيا، وهو ثانيا موجه إليه، عقديا وسياسيا، والمشكلات التي عاشها أهل السنة مع التطرف الديني باسم السلفية تفوق بكثير المشكلات التي عاشها أهل الشيعة مع هذا التطرف السلفي؛ مع هذا الفارق، وهو أن الدول الإسلامية السنية لديها مشكلة مع السلفية الجهادية، بينما مشكلة إيران هي مع جميع السلفيات.

غير أنه ليس صحيحا من الناحية التاريخية أن التشيع لم يولد التطرف، بل إن التطرف الذي نشأ داخل الرواق الشيعي يفوق في حدته ذاك الذي نبت في جنبات التسنن، لأن تطرف التشيع غالى كثيرا في النواحي العقدية تجاه الإمام علي بوجه خاص، إلى حد أن الفرق الشيعية تخاصمت فيه كما تخاصمت الفرق المسيحية في المسيح، ووصلت به إلى درجة التأليه؛ وهو ما لم يحصل في التيار السني على مدى التاريخ. فقد قتل الكثير من"أهل"السنة ظلما لكن السنيين لم يجعلوا واحدا من هؤلاء عَلما يحتفلون به ويبكونه. وطوال تاريخ التشيع نشأت فرق متشددة جعلت الاغتيال وسيلتها الوحيدة في التحاور مع أهل السنة، كما هو الأمر بالنسبة لفرقة الحشاشين الإسماعيلية، وكان ذلك طبعا ردا على ما تعرض له أتباع التشيع من أهل السنة. وقد كان الاغتيال بالأمس إرهابا يناسب عصره، باسم القناعات الدينية، كما كان التسميم والنفي. فالتطرف إذن لم يخرج من التسنن أو التشيع، ولكنه خرج من تشدد في تأويل العقيدة، سواء كانت سنية أو شيعية، وهذا ما يحصل اليوم باسم الانتماء إلى السلف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إبن تيمية ليس شيعيا إبن تيمية ليس شيعيا



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya