بقلم - ادريس الكنبوري
أفريقيا ظلت دائما نصب أعين داعش منذ إعلانه عما سمي بالخلافة الإسلامية عام 2014، كملاذ أخير يمكن اللجوء إليه في حال مواجهة ما يهدد خلافته المزعومة.
بات القلق من عودة المقاتلين من البلدان الأفريقية في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يؤرق المسؤولين الأفارقة بكثير من الجدية. ففي الوقت الذي ينهار فيه التنظيم في “عقر داره” بالعراق وسوريا ويفقد المناطق التي يسيطر عليها ويتهدده الاندثار، هناك شكوك قريبة من اليقين بأن يتحول إلى القارة الأفريقية لإعادة ترميم نفسه وتحويل مركز الثقل من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة السمراء. فالتنظيم الإرهابي الذي ظهر عـام 2014 ووصل إلى أوج وحشيته في العامين التاليين ليس مرتبطا بأي مكان في العالم يرهن نفسه به، بقدر ما يسعى إلى استغلال أي ثغرة أمنية في أي مكان لإطلاق عملياته منها، خاصة وأن العقيدة الجهادية لديه ترتكز على عنصري الحركة والسفر بالنسبة إلى المقاتلين المستعدين لتلبية “نداء الجهاد” من أي مكان صدر، وهو ما يفسر بالطبع التحاق أعداد منهم بسوريا خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ليس هناك رقم محدد لعدد المقاتلين الأفارقة الذين التحقوا بالتنظيم قبل ثلاث سنوات، فهذا الأمر لا يمكن الحسم فيه بالنظر إلى جملة من العوامل، بينها الطابع القبلي لعدد من البلدان الأفريقية الذي يجعل من الصعب إنجاز إحصائيات دقيقة للسكان، ومن ثم التعرف على أعداد هؤلاء المقاتلين، وغياب المراقبة الأمنية لعدد من المواقع داخل هذه البلدان، وعدم وجود أنظمة للتعاون والتنسيق بين البلدان الأفريقية لمعرفة المتسللين، علاوة على أن الكثير من الأسر تحجم عن تقديم معلومات إلى السلطات الأمنية حول أبنائها الذين سافروا للقتال مع داعش أو غيره من التنظيمات المسلحة في سوريا. بيد أن التقديرات الرسمية تتحدث عن ستة آلاف مقاتل، ينتمون إلى مختلف الدول الأفريقية، مع اختلافات بينها في أعداد هؤلاء المقاتلين.
ومنذ بداية تراجع التنظيم في العراق وسوريا في العام الماضي بدأ الحديث يروج عن احتمال عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم، الأمر الذي يشكل تحديا أمنيا حقيقيا. وبينما تم اعتقال عدد من هؤلاء العائدين، كما هو الحال بالنسبة إلى المغرب الذي شهد عودة ما يزيد على مئتين منهم، تمكن في المقابل عدد من العائدين الماليين من العودة والالتحاق مباشرة بالجماعات المسلحة في شمال البلاد، ونفس الأمر بالنسبة إلى ليبيا، حيث لا يزال التنظيم يتوفر على منصة له هناك. وما يزيد من خطر هؤلاء المقاتلين العائدين وجود شبكة دولية لتوظيفهم في أجندة محلية أو إقليمية، إذ صرح رئيس الأركان في الجيش الروسي الجنرال فاليري جيراسيموف في الشهر الماضي بأن المقاتلين التابعين للتنظيم في ليبيا يستفيدون من الدعم المالي واللوجستي من قطر والسودان وتركيا، ويتلقون تدريبات عسكرية تشرف عليها هذه الدول.
ويستشعر المسؤولون الأفارقة، ومعهم الاتحاد الأوروبي، المخاطر الأمنية التي يمثلها العائدون من ساحات القتال. ففي شهر نوفمبر الماضي حذر الرئيس السنغالي ماكي سال، أثناء منتدى السلام والأمن في داكار، من خطر هؤلاء العائدين الأفارقة، ودعا إلى اعتماد الرد العسكري كوسيلة وحيدة للتعامل مع هؤلاء، وأشار إلى أن مقاتلي داعش المنهزمين في سوريا والعراق قد يلجأون إلى أفريقيا لبناء قاعدة جديدة لهم للانطلاق.
وفي شهر ديسمبر الماضي دعا إسماعيل الشرقي، مبعوث الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن، البلدان الأفريقية إلى الاستعداد “بجدية” لمواجهة احتمال عودة الذين قاتلوا مع داعش، خلال لقاء حول محاربة الإرهاب في مدينة وهران الجزائرية. وقال الشرقي إن هذا الخطر الجديد يفرض على البلدان الأفريقية تكثيف التنسيق والتعاون الأمني في ما بينها، وتبادل المعلومات حول هؤلاء العائدين.
وما يعزز من هذه المخاوف أن أفريقيا ظلت دائما نصب أعين تنظيم داعش منذ إعلانه عمّا سمي بالخلافة الإسلامية عام 2014، كحديقة خلفية أو ملاذ أخير يمكن اللجوء إليه في حال مواجهة ما يهدد خلافته المزعومة.
ومعلوم أن التنظيم سبق له أن أعلن عن إنشاء ثلاث عشرة ولاية في نهاية عام 2014، جزء كبير منها يتركز في القارة الأفريقية، إذ أعلن عما سمّاه ولاية المغرب، وهي الولاية الكبرى بالنسبة إليه، وتضمّ أجزاء من ليبيا وتونس والمغرب والصحراء المغربية وموريتانيا والسنغال وغينيا وليبيريا وساحل العاج ونيجيريا والنيجر ومالي؛ ثم ولاية أرض الحبشة، وتضم السودان وجنوبه وتشاد وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وأفريقيا الوسطى والكاميرون.
وفي نهاية العام 2016 أعلن أبوبكر البغدادي أن تنظيمه قد وجه قسما من قيادته العسكرية إلى أفريقيا، وهو ما كان وراء تكهنات باحتمال أن يكون البغدادي نفسه قد غيّر مقرّ إقامته إلى القارة هربا من طائلة القبض عليه أو قتله.