بقلم - ادريس الكنبوري
لجأت جماعة بوكو حرام إلى نفس الأسلوب الذي مارسته عام 2014 باختطاف الفتيات القاصرات لدفع الأضواء العالمية إلى التركيز عليها مجددا، وهي تدرك بأن عملية شيبوك حققت لها آنذاك صدى عالميا غير مسبوق.
هذا ما تبقى من إرهاب بوكو حرام
عادت جماعة بوكو حرام النيجيرية، ذات السجل الأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية، إلى الضرب مجددا وبطريقة مبرمجة، في عملية موجهة بالأساس إلى الحكومة النيجيرية بهدف إظهار عجزها عن القضاء على الجماعات الإرهابية، وإثارة موجة من التشكيك وسط الرأي العام الداخلي حيال سياسة الرئيس محمد بوخاري.
فخلال أسبوع واحد نفذت الجماعة، التي ظهرت عام 2002 على يد مؤسسها السابق محمد يوسف، عمليات مدروسة وفي أكثر من مكان، إذ شنت هجوما إرهابيا على مدرسة ثانوية داخلية للبنات في قرية دابتشي شمال شرق نيجيريا، وقامت باختطاف عشرات التلميذات القاصرات، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من إنقاذ بضع عشرات منهن، في ظروف لم يتم الكشف عنها حتى الآن.
وأعادت تلك العملية تذكير النيجيريين بالفصل الدموي الذي عاشوه في أبريل من عام 2014، عندما قامت الجماعة باختطاف أكثر من 200 تلميذة من إحدى الثانويات في قرية شيبوك شمال البلاد، تمكن بعضهن من الفرار من قبضة التنظيم في العام الماضي، بينما تم إطلاق سراح عدد قليل آخر منهن بعد مفاوضات بين الحكومة والمسلحين.
وخلال الأسبوع الماضي أيضا نفذ التنظيم عملية إرهابية أخرى داخل الأراضي التشادية أودت بحياة جنديين على الحدود مع نيجيريا، هي الأولى من نوعها في المنطقة منذ آخر عملية نفذها التنظيم في مايو 2017 وأودت بحياة تسعة عسكريين تشاديين في منطقة بحيرة تشاد، حيث يقوم الجيش التشادي بدوريات دائمة لمنع عودة مقاتلي التنظيم إلى تلك المنطقة، بعد أن تم طردهم منها من طرف الجيش التشادي و”القوات متعددة الجنسيات” التي شكلتها مجموعة من البلدان ذات الحدود المشتركة في إقليم الساحل.
كما نفذ التنظيم الثلاثاء الماضي عملية أخرى في أقصى شمال الكاميرون، أدت إلى مقتل تسعة مدنيين، ويوم السبت قتل تسعة عشر مدنيا وعسكري في عملية رابعة شمال شرق نيجيريا.
تفسر هذه الموجة من العنف برغبة جماعة بوكو حرام في إعادة تسويق نفسها عالميا بعد أن توارت فترة من الوقت خلال المرحلة السابقة، خصوصا أمام ما يجري في شمال مالي.
وقد لجأت إلى نفس الأسلوب الذي مارسته عام 2014 باختطاف الفتيات القاصرات لدفع الأضواء العالمية إلى التركيز عليها مجددا، وهي تدرك بأن “عملية شيبوك” حققت لها آنذاك صدى عالميا غير مسبوق، وهو ما تسعى إليه بالتأكيد كأي تنظيم إرهابي يريد أن يكون الموت خطفا للأضواء.
يأتي هذا في الوقت الذي بات واضحا للعيان فشل حكومة الرئيس بوخاري في رفع التحدي الذي ألزم به نفسه قبل ثلاث سنوات، عندما تعهد لدى انتخابه للمرة الأولى بتصفية آثار الإرهاب وضمان الأمن للبلاد.
ورغم المحاولات التي تبذلها الحكومة المحلية إلا أن الجماعة ما فتئت تعلن في كل مرة عن عملية إرهابية جديدة، وهو ما دفع بوخاري العام الماضي إلى إجراء تغييرات واسعة في المؤسسة العسكرية شملت قيادات عليا، بهدف وضع استراتيجية جديدة للمواجهة حسب ما أعلن، بينما يجري الحديث في الخفاء عن فساد مستشر داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما طرح تساؤلات حول دوافع المفاوضات السرية التي تجري بين مسؤولين عسكريين نيجيريين وقيادة الجماعة المسلحة، بينما تقول الحكومة إنها تسعى إلى محاربتها والقضاء عليها، ما يعني استبعاد أي مفاوضات.
كما أن إطلاق سراح العشرات من مقاتلي الجماعة، الذين تم اعتقالهم في العامين الماضيين، بعد محاكمتهم، بدعوى عدم وجود أدلة لإدانتهم، يزيد في تأجيج الشكوك لدى الرأي العام حول مصداقية الالتزامات الحكومية بمحاربة الإرهابيين، إذ كان يمكن للحكومة أن تستفيد من هؤلاء في سياستها لتعقب الجماعة حتى وإن تمت تبرئتهم من المنسوب إليهم.