العدل والإحسان المغربية التباس الأفق السياسي

العدل والإحسان المغربية.. التباس الأفق السياسي

المغرب اليوم -

العدل والإحسان المغربية التباس الأفق السياسي

بقلم - ادريس الكنبوري

جماعة العدل والإحسان تعيش أزمة تتمثل في عدم القدرة على التدقيق في مطالبها السياسية وطرح مشروعها بوضوح، الأمر الذي يزيد الفجوة القائمة بينها وبين الدولة والمجتمع السياسي.

تحرص جماعة العدل والإحسان المغربية المحظورة، في كل مرة، على التذكير بمواقفها التقليدية في ما يتعلق بالحياة السياسية في البلاد، وتصوراتها من أجل الإصلاح والتغيير، ورؤيتها للدولة ونظام الحكم. وهي تستغل أي مناسبة من أجل التذكير بما تسميه الثوابت مقابل المتغيرات، ولكن سنوات من التجربة أظهرت أن هذه الثوابت تسير في اتجاه التقلص بينما يتسع هامش المتغيرات.

خلال نهاية الأسبوع الماضي احتفلت الجماعة بالذكرى الخامسة لرحيل مؤسسها الشيخ عبدالسلام ياسين، وكعادتها جددت التأكيد على تلك المواقف، وحاولت أن توجه رسائل معينة إلى الدولة من خلال الندوة السياسية التي دعت إليها إسلاميين من الخارج، وبعض اليساريين المغاربة، حيث طالبت بالإصلاحات السياسية ووجهت انتقادات إلى نظام الحكم.

ولم يكن هناك جديد يذكر في مختلف تلك المواقف التي تم التعبير عنها، حتى أن المراقبين بدأوا يلاحظون أن هذا التوجه والإصرار على استعادة الخطاب التقليدي يعكسان حالة من الارتباك والغموض في الجماعة، ونوعا من الفوضى في تحديد الأولويات، وصعوبة في التكيف السياسي مع المرحلة، وعدم القدرة على التوفيق بين تلك المواقف التقليدية وبين المتغيرات السياسية في البلاد.

تعيش الجماعة حالة من الحيرة السياسية والفكرية نتيجة معطيين أساسيين: المعطى الأول هو تشكيل حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية منذ العام 2011، والمعطى الثاني هو وفاة مؤسسها ومرشدها ياسين عام 2012.

فوصول حزب إسلامي إلى الحكم قبل ست سنوات أكل من رصيد الشعبية لدى الجماعة، التي تتكئ على الخطاب الديني كرافعة للإصلاح والتغيير؛ ذلك أن حكومة الإسلاميين لم تنجح في الرهانات التي رفعتها وبشرت بها المواطنين، وأظهرت محدودية الإنجاز بالرغم من الهالة التي أحيطت بها في البداية، وهو ما عزز الرأي القائل إن المشكلة ليست في وصول الإسلاميين إلى الحكم، بل المشكلة في ما يستطيعون أن يفعلوه من خلاله.

وقد وعت الجماعة هذه الحقيقة منذ البداية، فسارعت إلى الهجوم على حزب العدالة والتنمية خلال ولاية حكومة عبدالإله بن كيران، إذ اعتبرت أن مشاركة الحزب في الحكم دليل على سقوطه في يد “المخزن”، وأن هذا الأخير يحاول من خلال الحزب خنق التغيير الحقيقي. بيد أن الموقف من تلك الحكومة ظل متذبذبا، بحيث يبدو أن الجماعة أدركت في فترة معينة بأن المواجهة بينها وبين حزب العدالة والتنمية ستكون لفائدة الدولة، فجاءت مواقفها متحيرة ما بين نقد التجربة الحكومية ونقد الدولة.

ولكن هذا الخطاب تغير اليوم بعد إزاحة بن كيران من رئاسة الحزب في مؤتمره الأخير قبل أسبوعين، إذ عادت الجماعة إلى ترديد مقولتها التقليدية حول استحالة الإصلاح من الداخل، مستدلة بإعفاء بن كيران من تشكيل الحكومة وعدم تمكينه من ولاية ثالثة على رأس الحزب.

وبعد أن كان بن كيران عراب المشاركة السياسية في نظر الجماعة عام 2011 والرجل الذي قاد الحزب إلى “دار المخزن”، أصبح اليوم في نظرها رمزا لاستحالة الإصلاح من الداخل. بيد أن هذا الموقف المضطرب الذي يحاول توظيف بن كيران لتعزيز خطاب تقليدي، يغفل استمرار الحزب في تقلد رئاسة الحكومة في شخص سعدالدين العثماني، الذي انتخب في المؤتمر الأخير أمينا عاما للحزب مكان بن كيران.

أما وفاة ياسين فقد جردت الجماعة من شخصية كاريزمية جمعت إلى جانب الأهلية العلمية قيادة مركزية مكنت الجماعة من كبت خلافاتها الداخلية وخلقت لديها ثقافة “التحلق حول المرشد”.

ورغم حرصها على الاحتفال كل سنة بوفاته وجعل المناسبة فرصة للحديث عن الحوار الوطني والإصلاح، إلا أن هذا الطابع الاحتفالي بدأ يتقلص مع مضي الأعوام، بل إن الجماعة ازدادت عزلة في السنوات الأخيرة بفعل غموض المواقف لديها وعدم الحسم في عدد منها، وانعدام الوضوح حول إستراتيجية الإصلاح لديها، ولم تعد تجد اليوم من حليف يشاركها الاحتفال كل سنة سوى حزب يساري صغير جدا هو “النهج الديمقراطي” الماركسي-اللينيني، الذي كان مساندا لها خلال مرحلة الربيع العربي.

ورغم أن الجماعة تحاول أن تظهر ذلك التحالف وكأنه دليل انفتاحها على مختلف القوى السياسية مهما كانت التباينات، إلا أنه يعكس في الحقيقة انكماشها وعدم اهتمام القوى الحزبية بمشروعها السياسي.

الجماعة أصبحت تعيش أزمة تتمثل في عدم القدرة على التدقيق في مطالبها السياسية وطرح مشروعها بوضوح، الأمر الذي يزيد في الفجوة القائمة بينها وبين الدولة والمجتمع السياسي. فهي تنتقد خطاب الإصـلاح من داخل المؤسسات، لكنها في نفس الوقت تقترح إصلاحات سياسية ودستورية جديدة كشرط للقبول بالمشاركة من داخل المؤسسات؛ ثم هي ترتكز في خطابها التقليدي على الإصلاح التدريجي عبر تغيير المجتمع وتعتبر أن السياسة ليست إلا فرعا عن ذلك الإصلاح الاجتماعي، ولكنها في ذات الوقت تنتقد عدم السماح لها بتشكيل حزب سياسي، ولا تقدم أي تصور حول هذا الحزب، هل تقبل به إذا سمحت لها الدولة بذلك قبل الإصلاحات السياسية التي تطالب بها، أم أن الأولوية لديها لهذه الإصلاحات قبل إنشاء الحزب؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدل والإحسان المغربية التباس الأفق السياسي العدل والإحسان المغربية التباس الأفق السياسي



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الأسد

GMT 10:35 2016 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة حول "أطفال الشوارع" في مركز "عدالة ومساندة" الأحد

GMT 19:42 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

باتشوكا المكسيكي يقصي الوداد من كأس العالم للأندية

GMT 20:05 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

إيسكو يلعب عددًا بسيطًا من المباريات مع ريال مدريد

GMT 04:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عطيل عويج يُبيّن سبب تعاقده مع فريق الفتح المغربي

GMT 03:00 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستقبل العام الجديد 2016

GMT 07:25 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عصابة مدججة بالسيوف تحاول اغتصاب فتاة وسط الناظور

GMT 02:13 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

الصين تكشف عن دورات مياه جديدة ذات تقنية عالية

GMT 09:34 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

"المرسيدس" من أغرب الفنادق في ألمانيا

GMT 04:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

وائل جسار يستقبل العام الجديد بأغنية "سنين الذكريات"

GMT 17:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

إيران تواجه الجزائر استعدادًا لمباراة المغرب

GMT 05:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

بغداد صباح الجمعة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya