فرنسا وأفريقيا… الساحر في ثوب جديد
أخر الأخبار

المغرب اليوم

فرنسا وأفريقيا… الساحر في ثوب جديد

المغرب اليوم -

فرنسا وأفريقيا… الساحر في ثوب جديد

بقلم - ادريس الكنبوري

ينظر الكثيرون إلى مواقف ماكرون بوصفها اعترافا ضمنيا بأن فرنسا لم تعد اللاعب الوحيد في أفريقيا، أمام التحدي المتمثل في الحضور الصيني، والتواجد البريطاني التقليدي، والطموح الأميركي في لعب الدور الرئيسي بأفريقيا.

في أول جولة أفريقية له منذ انتخابه شملت ثلاثة بلدان هي بوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا، اجتهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل توجيه رسائل مختلفة إلى زعماء البلدان الثلاثة ومن خلالهم إلى البلدان الأفريقية، وتقديم بلاده في صورة جديدة تعطي الانطباع بأن هناك نية لدى باريس في إحداث قطيعة مع الماضي الاستعماري، بهدف ردم جدار عدم الثقة القائم بين الجانبين طيلة العقود الماضية.

ماكرون حمل معه رزمة من الوعود وكثيرا من البلاغة السياسية التي صيغت بعناية داخل “المجلس الرئاسي من أجل أفريقيا” المتكون من أحد عشر عضوا، والذي تم تشكيله في شهر أغسطس الماضي لكي يكون جسرا مباشرا مع بلدان القارة بعيدا عن القنوات الدبلوماسية الرسمية التي عادة ما تلجأ إلى انتقاء القضايا والمشكلات وتصفيتها قبل إرسالها إلى وزارة الخارجية في باريس. ولذلك حرص ماكرون على أن يكون المجلس الجهة الوحيدة التي يصوغ قراراته انطلاقا من اقتراحاتها التي تقدمها، خصوصا وأن المجلس يضم أعضاء من بلدان أفريقية لديهم خبرة طويلة في التعامل مع الشؤون الأفريقية ودراية أكبر بالمشكلات التي تعانيها القارة، فالرئيس الفرنسي الجديد لا يريد الوقوع في نفس الأخطاء التي وقع فيها سابقوه، بالاعتماد فقط على القنوات الدبلوماسية التي يمكن أن تورطه في مواقف تجرّ عليه غضب الأفارقة، كما حصل للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي أثناء جولته الأفريقية عام 2007 حين قال في العاصمة السينغالية داكار إن “الإنسان الأفريقي لم يدخل بعد القرن الواحد والعشرين”؛ وكانت تلك الكلمة كافية لإثارة موجة من الغضب.

في خطابه أمام أكثر من 800 طالب بجامعة واغا الأولى في بوركينا فاسو حاول ماكرون أن يقدم فرنسا في ثوب جديد من خلال لغة جديدة غير مألوفة بالنسبة للأفارقة من رئيس دولة استعمارية سابقة. فقد أكد على أنه يريد مخاطبة أفريقيا كقارة متعددة “يتحدد فيها جزء من مصيرنا المشترك”، وخاطب الطلبة قائلا “إنني مثلكم أنتمي إلى جيل لم يعرف أفريقيا كقارة مستعمَرة، فأنا من جيل يعدّ الانتصار الذي حققه نيلسون مانديلا ضد التمييز العنصري واحدا من ذكرياته السياسية الجميلة”، واعترف بالماضي الاستعماري لفرنسا وبجرائمها في أفريقيا، لكنه دعا إلى عدم العيش في الماضي وإلى ضرورة تجاوز ما حصل بشكل مشترك.

ويبدو أن الرئيس الفرنسي لم يكن يحمل أي عقدة من ماضي بلاده في القارة، ولذلك تحلى بنوع من الجرأة هو يتحدث في كل عاصمة من العواصم الثلاث التي وصل إليها، بل إنه حرص على عقد ندوة صحافية للرد على أسئلة الطلبة الحاضرين دون غربلة الأسئلة ودون رقابة، الأمر الذي اعتبره المراقبون الأفارقة سابقة من نوعها ودليلا على قابلية الرؤية الجديدة التي يحملها ماكرون تجاه العلاقات مع البلدان الأفريقية للتسويق. فقد تحدث عن الرؤية المشتركة بين فرنسا والأفارقة، وعن علاقات جديدة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وقال للطلبة الشباب “إنني أريد أن أكون بجانبكم”.

الخطوة التي يعتبرها الكثيرون تعكس من الناحية العملية إرادة فعلية لدى ماكرون في طيّ صفحة الماضي الاستعماري ومرحلة التدخل الفرنسي في الشؤون الأفريقية هي إعلانه رفع السرية عن الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس البوركينابي الأسبق توماس سانكارا، الذي كان يعدّ زعيما أفريقيا معاديا للأمبريالية وللتدخل الفرنسي في أفريقيا، وحكم البلاد بين 1983 و1987 حين تمّ اغتياله في العاصمة، بعد فترة قصيرة من دعوته الزعماء الأفارقة إلى رفض أداء الديون المستحقة لفرنسا، وقد تمّ اتهام هذه الأخيرة بالوقوف وراء تصفيته.

وينظر الكثيرون إلى مواقف ماكرون بوصفها اعترافا ضمنيا بأن فرنسا لم تعد اللاعب الوحيد في القارة السمراء، أمام التحدّي المتمثل في الحضور الصيني، والتواجد البريطاني التقليدي، والطموح الأميركي في لعب الدور الرئيسي في أفريقيا من مدخل مواجهة التحديات الإرهابية. فعلى الرغم من الخبرة التاريخية التي اكتسبتها فرنسا طيلة عقود من العلاقات مع بلدان القارة إلا أن هناك معطيات جديدة باتت تملي على باريس تغيير أسلوبها لضمان موقعها، في ظل تحوّلات أعمق تعيشها القارة، وأيضا في ظل وجود جيل جديد من الأفارقة الذين لم يعودوا ينظرون بعين الارتياح إلى النمط التقليدي للعلاقات الفرنسية- الأفريقية كما كان عليه في عهد الآباء، وهو ما يفسر تركيز ماكرون بشكل أساسي على مخاطبة الشباب في مختلف البلدان التي زارها، بل إن المحور الرئيسي في القمة الفرنسية- الأفريقية التي عقدت نهاية الشهر الماضي في أبيدجان كان يهم الشباب والهجرة، وهو ما يعني أن هناك جيلا جديدا يريد سماع لغة جديدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا وأفريقيا… الساحر في ثوب جديد فرنسا وأفريقيا… الساحر في ثوب جديد



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:39 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 10:45 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج السرطان

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 04:49 2018 الجمعة ,23 آذار/ مارس

" Bulgari " تكشف عن ساعاتها لمعرض بازل 2018

GMT 07:56 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 11:56 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مٌبتكرّة لاعتماد الديكور " الميتاليك" داخل منزلك

GMT 08:31 2018 الجمعة ,19 تشرين الأول / أكتوبر

فندق "بلغاري" وسط ميلانو يعيد أجواء ألف ليلة وليلة

GMT 05:32 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

علامة أزياء تطلق "حمالة صدر" للناجيات من سرطان الثدي

GMT 05:11 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الحراك الريفي بين خطاب السلطة وتجار الأزمة

GMT 09:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

أمل بوشوشة و زوجها مع نيللي على "إنستغرام"

GMT 19:51 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

افتتاح معرض "النيل أنشودة مكان" في دار الأوبرا

GMT 06:29 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

أعلام الأدب يلتقون في معرض "الشارقة الدولي للكتاب"

GMT 17:23 2019 الإثنين ,15 تموز / يوليو

مطلوب لكبرى المدارس الاميركية في السعوديه جده

GMT 03:11 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مطابخ تتحدث عن روعة اللون الأسود

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طرق مختلفة لترتيب المطبخ الصغير

GMT 16:46 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"إكسبوجر 2018" يُطلع المصورين على أسس التصوير الإبداعي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya