القمة الأوروبية وزحف الشعبوية

القمة الأوروبية وزحف الشعبوية

المغرب اليوم -

القمة الأوروبية وزحف الشعبوية

بقلم - ادريس الكنبوري

القمة الأوروبية الأخيرة بدت وكأنها جاءت لترسيم القطيعة مع بلدان الجنوب، وإغلاق أوروبا في وجه المهاجرين بشكل نهائي.
بالرغم من اللهجة المتفائلة التي استعملها القادة الأوروبيون في حديثهم عن التوصل إلى اتفاق بين بلدان الاتحاد الأوروبي حول الهجرة، خلال القمة التي عقدت نهاية الأسبوع في بروكسل، إلا أن واقع الحال غير ذلك. فالاتفاق الذي تم إنجازه بعد مفاوضات عسيرة طوال يومين والتهديدات الإيطالية بالانسحاب من طاولة الحوار، جاء ليعزز منطق الخلاف داخل الاتحاد، إذ لأول مرة يخرج الاتحاد الأوروبي من قمة بالتوافق على عدم الالتزام الجماعي في قضية معينة تشغله جماعيا، وهذا ما جعل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعلن بأن مسألة الهجرة قد تقرر مصير الاتحاد برمته.

وقد خرجت القمة بقرار يقضي بإقامة مراكز للاجئين في دول الاتحاد الأوروبي، على أن يكون ذلك بشكل “طوعي”، وفقا لما ينص عليه الاتفاق الأوروبي، كما اتفق الزعماء الأوروبيون أيضا على أن تكون جهود إعادة توطين اللاجئين في أوروبا “طوعية”، بما يعطي الحق للدول الأعضاء في عدم الالتزام بأي سياسة موحدة إزاء موضوع الهجرة، التي باتت ملفا ضاغطا على البلدان الثمانية والعشرين المشكلة للنادي الأوروبي.

وسوف يبقى لهذه المراكز الحق في إعادة المهاجرين الذين أفلحوا في الدخول إلى تراب إحدى دوله إلى بلدانهم، بعد الفصل بين المهاجرين غير الشرعيين الذين سيتم طردهم تلقائيا، وطالبي اللجوء الذين ستتم دراسة ملفاتهم ثم توزيعهم بعد ذلك على البلدان الأعضاء في الاتحاد. ولكن هذه النقطة أيضا بقيت محل خلاف وجرى الاتفاق عليها على ذلك الأساس، بمعنى حق كل دولة في عدم قبولها استقبال طالبي اللجوء على أراضيها.

لكن القمة خرجت بقرار آخر من شأنه أن يثير قلق بلدان الجنوب، إذ اتفقت على إقامة مراكز إيواء خارج دول الاتحاد، واستبق المغرب من خلال تصريح لوزير خارجيته ناصر بوريطة، هذا القرار بالإعلان عن رفضه لمراكز استقبال المهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي. وقال بوريطة، إن المغرب يرفض فكرة إقامة مراكز استقبال بعيدا عن الاتحاد الأوروبي، الذي يحاول الاستعانة بمصادر أخرى لإدارة تدفق المهاجرين خارج حدوده، مشيرا إلى رفضه لما سماه “الحلول السهلة” التي قد تأتي بنتائج عكسية.

وقد أعلنت فرنسا والنمسا فور اختتام القمة، عن رفضهما إقامة مراكز لاستقبال المهاجرين على أراضيهما، والمبرر الذي ارتكزت عليه الحكومتان في البلدين هو أنهما ليسا بلدي استقبال مباشر للمهاجرين، كما هو الوضع بالنسبة إلى إيطاليا وإسبانيا. وبذلك بدت القمة الأوروبية الأخيرة وكأنها جاءت لترسيم القطيعة مع بلدان الجنوب، وإغلاق أوروبا في وجه المهاجرين بشكل نهائي.

ويمكن القول بأن قمة بروكسيل ستكون لها مضاعفات كبرى على مستوى العلاقة بين الشمال والجنوب، وسوف تحيي هذه الثنائية التي كانت سائدة طيلة مرحلة الحرب الباردة، بين الشمال الذي يعيش في بحبوحة، والجنوب الذي لا يتعدّى كونه سوقا للأيدي العاملة التي استفادت منها أوروبا طوال عقود في نهوضها الاقتصادي من دون أن ينعكس ذلك على مستوى الحياة في بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط.

وإذ تغلق أوروبا أبوابها في وجوه المهاجرين حيث لا تنظر إلى الرصيد التاريخي للعلاقات غير المتكافئة بينها وبين بلدان الجنوب، ومسؤولياتها عن تأخر الأوضاع في هذه البلدان نتيجة للسياسات الأوروبية المتراكمة التي انعكست في تخلف البنيات الاقتصادية والاجتماعية والتقاليد السياسية التي تنفر من الديمقراطية ولا تراها شرطا لازما في التنمية، ولذلك فإن أوروبا اليوم توجد في مواجهة أزمة أخلاقية، قبل أن تكون سياسية في علاقتها بالدول الأفريقية.

النقطة الأهم في قراءة مخرجات القمة الأوروبية الأخيرة أن الشعبوية انتصرت وفرضت شروطها على ثمانية وعشرين بلدا داخل الاتحاد. فمما لا شك فيه أن موضوع الهجرة كان أحد الموضوعات الأهم التي ركزت عليها أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، وظهر ذلك في المحطات الانتخابية التي نزل فيها اليمين المتطرف بثقله مسلحا بخطابه الشعبوي الذي يضع على رأسه رفض الآخر ويطالب بإغلاق القلعة الأوروبية في وجه المهاجرين، وإعادة النظر في قوانين الهجرة واللجوء، وبالرغم من فشل هذه الأحزاب في تحقيق انتصارات واسعة في عدد كبير من البلدان الأوروبية نتيجة لخطابها الذي لا يلقى صدى لدى الطبقة السياسية التي اصطفت في مواجهته، إلا أن القمة الأخيرة للاتحاد الأوروبي تشكل عربونا على نجاح مشروعه، مستفيدا من الأزمة التي تسببت فيها قضية الهجرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القمة الأوروبية وزحف الشعبوية القمة الأوروبية وزحف الشعبوية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya