العدل والإحسان تبحث عن مخرج

العدل والإحسان تبحث عن مخرج

المغرب اليوم -

العدل والإحسان تبحث عن مخرج

بقلم ـ ادريس الكنبوري

في خطوة بدت مفاجئة دعت جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة في المغرب الدولة إلى فتح صفحة جديدة معها، من خلال تصريحات للناطق الرسمي باسمها فتح الله أرسلان، الذي دعا الدولة إلى اقتراح “مبادرات” سواء من قبل جهة معينة، أو حتى من قبل شخص بعينه، بهدف طي ملف الاعتقالات “ووقف التضييق على الجماعة”.

تصريحات أرسلان جاءت في سياق تظاهرة للجماعة حول أحد معتقليها الذي يقبع في السجن منذ سبع سنوات، في إطار ملف تعود وقائعه إلى بداية التسعينات من القرن الماضي بجامعة فاس. وتعد هذه التصريحات الأولى من نوعها منذ رحيل مرشد الجماعة عبدالسلام ياسين عام 2012، ودخولها مرحلة يمكن وصفها بالتيه السياسي الذي تمثل في اتخاذ مواقف متضاربة في العديد من المحطات، والمراوحة بين نقد الدولة ونقد الحكومة والتذبذب في ما يتعلق بالموقف من الواقع السياسي.

تعكس تصريحات أرسلان وجود رغبة غير معبر عنها داخل الجماعة في المصالحة مع الدولة، وفي الخروج من وضعية الغموض الذي يشوب العديد من مواقفها، مما يقلل من جدية أطروحاتها لدى الفاعلين السياسيين والدولة في الوقت نفسه، وإن كان ذلك مكلفا في الوقت الحالي للجماعة التي مازالت تعيش في كنف مرشدها السابق، خصوصا في ما يتعلق بمقاطعة الحياة السياسية ورفض الاندماج في المؤسسات.

الواضح أن الجماعة تعيش اليوم أزمة بفعل العزلة السياسية التي وضعت فيها نفسها منذ ما يسمى بالربيع العربي وحركة 20 فبراير بالمغرب عام 2011. فخلال تلك الفترة راهنت على تحريك الشارع ودفعه إلى الاصطفاف معها، وإقناع الأطراف السياسية بالتنسيق في إطار ما تدعوه في أدبياتها “الحوار الوطني”، ورفعت شعار إنشاء “جمعية تأسيسية” لوضع دستور جديد، لكن تطورات تلك المرحلة تجاوزتها ولم تجد الجماعة بجانبها سوى حزب يساري صغير لا حضور له في الشارع هو النهج الديمقراطي الذي تحالفت معه رغم التباينات الأيديولوجية بينهما.

المفارقة في الدعوة الأخيرة إلى المصالحة مع الدولة عبر وسطاء أن الجماعة رجعت إلى الوراء بما يزيد على ربع قرن تقريبا. ففي بداية التسعينات من القرن الماضي حصلت مبادرات من أطراف مختلفة بعثها القصر إلى مرشد الجماعة عبدالسلام ياسين، كانت من بينها مبادرة قادها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وقتذاك عبدالكبير العلوي المدغري، لكن الجماعة رفضت النظر في تلك المبادرات وطرحت شروطا اعتبرها الوسطاء تعجيزية. ومنذ ذلك الوقت ظلت الجماعة تعتبر نفسها الأقوى وقادرة على الاستمرار في موقف التصلب إلى أن تنصاع الدولة وتعاود الكرة من خلال مبادرات جديدة، وهو ما لم يحصل.

غير أن التطورات التي حصلت في الفترة الماضية، ووفاة مرشد الجماعة الذي ربما كان يعتبره البعض داخلها عقبة أمام التطبيع مع الدولة، دفعت قيادتها إلى الاقتناع بأن الظروف السياسية تغيرت وبأن هناك معطيات جديدة يتعين التعامل معها وفق منهجية مغايرة. فقد كانت الجماعة في السنوات الماضية تبشر بالنموذج الإسلامي، وتحاول أن تطرح نفسها بديلا للأحزاب السياسية القائمة من منطلق المرجعية الدينية، ولكن وصول حزب العدالة والتنمية- الذي ينطلق من نفس المرجعية- إلى رئاسة الحكومة عام 2011 ثم في العام الجاري قلل من بريق هذه المرجعية التي كانت تتغذى عليها الجماعة.

أدركت الجماعة هذا الارتباط بين أداء العدالة والتنمية في الحكومة والانعكاسات السلبية التي يمكن أن تترتب عنه بالنسبة لخطابها التعبوي، فلجأت إلى اتخاذ خطابات متناقضة في موقفها من الحكومة، فلكي لا تبدو مؤيدة لحكومة عبدالإله بن كيران أصدرت بيانات تنتقد سياساتها، ولكي لا تسهم في الإجهاز على المرجعية الإسلامية المشتركة بينها وبين العدالة والتنمية أصدرت مواقف تنتقد الدولة وتعتبرها مسؤولة عن السياسات الحكومية، وبين الموقفين لم تنجح في تقديم أطروحات منسجمة.

بعد هذه التصريحات تطرح التكهنات حول الموقف الذي يمكن أن تتخذه الدولة حيال الدعوة إلى المصالحة، وما إن كانت ستمد يدها إلى الجماعة أم أنها لن تأبه بها.

الدولة تدرك بأن الجماعة فقدت بريقها، وربما ستسعى إلى دفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات لكي تنتهي بقبول المشاركة السياسية. فهل تقبل الجماعة بذلك ومقابل أي ضمانات؟ وفي حال تجاهلت الدولة المطلب الأخير للجماعة فإن الأخيرة ستدخل مرحلة أكثر إحراجا أمام قواعدها وأمام الرأي العام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدل والإحسان تبحث عن مخرج العدل والإحسان تبحث عن مخرج



GMT 05:20 2017 الجمعة ,19 أيار / مايو

أخلاق الدولة في خطر..

GMT 13:41 2017 الجمعة ,17 شباط / فبراير

من له مصلحة في استفزاز العدل والإحسان

GMT 14:12 2016 السبت ,03 كانون الأول / ديسمبر

حوار هادئ مع العدل والإحسان

GMT 06:36 2016 الثلاثاء ,26 إبريل / نيسان

في نقد مفهوم الخلافة

GMT 06:12 2016 الإثنين ,25 إبريل / نيسان

عبادي الجماعة ثانية !

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya