التحرش بالرجل

التحرش بالرجل

المغرب اليوم -

التحرش بالرجل

بقلم : عصمت حوسو

اعتدنا أن نسمع عن ظاهرة التحرش بالمرأة فقط، وهناك غزارة بالأدبيات التي تتناول تلك الظاهرة والدراسات التي ترصدها بالأرقام والنسب وتحلل أسبابها وطرق علاجها. ولكن نَدَر الحديث عن (التحرش بالرجل) على الرغم من واقعية وجوده وزخم انتشاره خصوصا في العصر الحديث (يا لرداءة تلك الحداثة). ولكن تلك الظاهرة لا يتم تسليط الضوء عليها باعتبارها ظاهرة غير مرضية في المجتمع الذكوري لأن شرف هذا المجتمع مرتبط بالمرأة فقط، وربما يكون السبب أيضا أن هذا التحرش يروق للرجل ولا يمانعه ولا يشكو على المتحرشة به ولا يقاومها وقد لا يعتبره تحرشاً على الإطلاق، ولا يتطلب ذلك وضع قيود اجتماعية عليه كما المرأة...

هناك من يصنف التحرش الى تحرش مرضي وتحرش عرضي (مع تحفظي على هذا التصنيف القمعي) : الاول هو التحرش سواء بالكلمة، او النظرة، او اللمسة في حال كان الوضع يدعو الى التحرش ام لا ، ويعتبرون ذلك انعكاسا لمرض نفسي يتطلب علاجا مع عدم الاعفاء من العقوبة. اما التحرش العرضي فهو يحدث فقط عندما تتهيأ الظروف الملائمة للتحرش، وكأن التحرش وان كان عرضيا لا يعتبر مرضا نفسيا وأخلاقياً وبامتياز. 
وأضيف هنا نوع آخر من التحرش وهو (التحرش القصدي) الذي يكون بكامل الإرادة والوعي وأهدافه متعددة. فالتحرش المقصود بالرجل مثلا -بما أننا نتحدث هنا عن ظاهرة التحرش بالرجل- قد يكون الهدف منه (الاستغلال) سواء المادي أو الخدماتي أو المعلوماتي أو القلم الأدبي أو الإعلامي أو التكنولوجي أو الطبي وأشكال أخرى لا تعدّ ولا تحصى من أشكال الاستغلال للرجل ، وأحيانا يكون الهدف منه (الشهرة) وإشباع الإيجو الفارغ باقتران اسم المرأة المتحرشة برجل مثقف أو مشهور أو وسيم أو صاحب منصب أو سلطة. وفي كثير من الحالات المرأة المتحرشة يكون هدفها الاستحواذ على ذلك الرجل بغض النظر عن جاهزيته أو رغبته أو حتى اذا كان متاحاً وغير مرتبط، وقد تكون لديها نية شريرة مبيتة بعد تطور العلاقة لترك الشريك والزواج بالعشيق بحثاً عن صيغة لجمع شظايا الكرامة المهشّمة جرّاء خيبة الزواج...

التحرش سلوك مستهجن ومشين سواء أكان مرضياً أم عرضياً أم قصدياً، لأنه يعكس التشويش الذهني والتخبط النفسي والمرض الأخلاقي لدى المتحرشة حتى لو كان الرجل هو من قدم ايحاءات  لاستدراج المرأة للتحرش به..

ان التحرش من قبل الجنسين اتجاه الاخر هو سلوك مرضي ووباء أخلاقي ( معدي جداً ) ، خصوصا اذا بقي محصوراً في دائرة وصم المرأة وعدم تشخيص الظاهرة في إطارها الأشمل من حيث الأضرار الواقعة على الجنسين وعلى الأسرة وعلى المجتمع. فالعديد من الكتابات تتحدث عن التحرش وكأنه ضد المرأة فقط دون الحديث عن التحرش ضد الرجل والذي غالبا ما تدفع ثمنه المرأة ايضاً. مثلما يوجد رجال متحرشين يوجد أيضاً نساءً متحرشات (ويخربن البيوت ). فاذا حصل ذلك فهل يكون السبب أناقة الرجل مثلا أو وسامته؟؟ هل هو من أوحى لها أن تتغزل به او تكتب له شعراً أو ترسل له أغاني أو رسائل  غير لائقة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أي وقت؟؟ هل هو من أوحى لها بإقامة علاقة خارجة عن الأخلاق رغماً عنه؟؟؟ هل هو من أوحى لها بكثافة الاتصال به وفي جميع الأوقات؟؟ هل السبب تهافت النساء عليه اللواتي يقدمن أنفسهن قرباناً له على مذبح وسامته أو ثقافته أو ماله أو سلطته؟؟؟
لماذا نلوم الرجل المتحرش ونصفه بأنه حيوان ناطق غير قادر على ضبط غرائزه وهناك نساء يفعلن ذلك؟؟ خصوصا وأن المرأة (المغدورة) هي من تدفع الثمن ايضا اذا كان ذلك الرجل المتحرش به مرتبط ومستقر...
جميع التساؤلات السابقة مشروعة بحكم شرعنتها عند الحديث عن التحرش بالمرأة وتحميلها دائماً مسؤولية التحرش بها، الفرق هنا بين التحرش بالرجل والتحرش بالمرأة؛؛ هو يتلذّذ وهي تتعفّف...

التحرش هو فعل إرادي يصدر من شخص مكبوت رخيص لإشباع حاجة (ما) تنمّ عن دونية واستعراض رديىء وفراغة العين، بالتعدّي على الجنس الآخر قولاً أو فعلاً أو تلميحاً أو تصريحاً بطرق غير لائقة وأحياناً تكون منمقة ومدروسة، لكن تتنافى مع السلوك السوي وأبسط قواعد الأخلاق لاستباحة الآخر وإيقاعه بالفخّ..
وهنا يجب ان ننتبه لظاهرة أخطر وهي التذرع بالتحرش تحت عنوان (المجاملة والغزل)، فكل قول أو فعل يصدر من شخص خارج دائرة الأشخاص المهمين والمعرفين لدى الشخص يعتبر تحرشاً، والمجاملة والغزل لا تكون مقبولة الا من تلك الدائرة المعرّفة فقط. وهذا ينطبق على المرأة والرجل معاً لا استثناء هنا، ومثلما تعتبر المجاملة والغزل للمرأة تحرشاً ينسحب الأمر على الرجل تماما ولا يجوز أن تكون معاييره مزدوجة ويسمح لنفسه ما لا يسمحه لزوجته أو المرأة التي تخصه. لا يمكن اعتبار التحرشات مديحاً أبداً فالعبارات المغلفة التي يستخدمها كل منهما لاستدراج الآخر تعتبر تحرش ظاهره برّاق وباطنه أفّاق، وهل استخدام العقل واللغة والكتابة كوسيلة استدراج وإغراء أقل دناءة عن الأغراء بالجسد مثلاً؟؟ لا فرق البتة وجميعها رذائل...

ظاهرة التحرش المرضية والمعدية نتيجة حتمية لما يشهده العالم العربي اليوم من تدهور أخلاقي وقيمي وانحطاط فكري وتفشّي الداعشية في ثقافة المجتمع الذكوري التي نخرت جسده حدّ التسوس. ليس من المعقول ونحن دولة نتمايز بزوال الأمية الكتابية ان نبقى نراوح مكاننا في أمية القانون غير الرادع  وأمية الاستنكار الاجتماعي الخجول باتجاه التحرش ضد الرجل أو المرأة على حد سواء.. فالشرف  والأمانة  والوفاء والصدق  طباع أصيلة  لا صنائع دخيلة ...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحرش بالرجل التحرش بالرجل



GMT 22:19 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى متى ستبقى المرأة في عالمنا العربي الحلقة الأضعف .

GMT 09:29 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الهولوجرام والسحر في العصر الحديث

GMT 11:59 2019 الجمعة ,23 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 16:37 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 10:05 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الطفولة العربية والمستقبل

GMT 12:12 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

العنف ضد المرأة حاجزا فى سبيل المساواة والتنمية

GMT 08:13 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

سيّدتي لا تصدّقينا

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya