الرجل الصيّاد والمرأة القنّاصة

الرجل (الصيّاد) والمرأة (القنّاصة)

المغرب اليوم -

الرجل الصيّاد والمرأة القنّاصة

بقلم - الدكتورة عصمت حوسو

رئيسة مركز الجندر (النوع الاجتماعي) للاستشارات النسوية والاجتماعية

ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيد...
قصد المتنبي في هذا البيت الجميل أن من اتخذ الأسد صائداً يصيد به أتى عليه الأسد فصاده.. وإذا أردنا إسقاط بيت المتنبي على موضوع هذا المقال نقول في هذا المقام أنه من السهل جداً أن يتحول الرجل (الصياد) إلى طريدة سهلة إذا وقع بيد (قنّاصة) ماهرة.. وهنا المفارقة الموجعة...
الفرق لغوياً بين الصيد والقنص أن الأول (بالعلن) أما الأخير فهو (بالخفاء)، لذلك ينطبق الصيد على الرجل أكثر لأنه يمتلك رخصة اجتماعية لممارسة هواية صيد النساء، في حين أن المرأة القنّاصة لا تستطيع ممارسة قنص الرجال إلاّ في الخفاء. فمحددات المجتمع الكثيرة التي تُمارَس على المرأة تُلزمها بممارسة تلك الهواية القميئة بالخفاء، إما خوفاً من الفضائح أو لحماية نفسها من القتل بداعي الشرف أو ربما الرعب من تهمة إفساد رابطة زوجية مثلاً. على الرغم أن العهر الأخلاقي لبعضهن حالياً لا يمنعهن من التبجّح علناً بهواية قنص الرجال.. (فهو) دائم التبجّح أما (هي) فجديدة على هذا (الكار) المشين وهو بدوره جديد علينا ...
ومن الفروق الأخرى بين الصيد والقنص، أن هواية الصيد تُطلق على عدد غير محدّد من الطرائد كما هو الرجل، أما هواية القنص تُطلق على طريدة محددة تماماً، وكذلك هي المرأة؛؛ فتحدّد طريدها الرجل بدقة متناهية وليس بشكل عبثي كالرجل. فالصيد (هواية) أما القنص فهو (احتراف) ومرحلة متقدمة جداً من الصيد، فالقنّاصة تحتاج إلى التخطيط والتحضير التامّ للانقضاض على الفريسة، أما الصياد يعتمد على الارتجال في كثير من الأحيان ..
وفي كل الأحوال ورغم الفروق بين هوايات الصيد والقنص إلاّ أنهما كليهما يشتركان بفنّ (المراوغة) والتمويه والصبر على الفريسة، وتتطلب مهمتهما ذكاءً شديداً لإسقاط الهدف، وتختلف نقطة ضعف الهدف من شخص لآخر ومن جنس لآخر. فمثلاً قد تكون نقطة الضعف الإغراء الجسدي أو ربما العقلي، أو قد يكون الإغراء المالي، أو إغراء السلطة والشهرة أيضاً، أما أكثرهما فتكاً وخطورة هو إتقان فنّ (التقمّص) للإيقاع بالضحية الهدف...
الرجل الصياد يقتنص الفرص لينقضّ على الطريدة، فالرجل بطبعه خائن خوّان (إلا من رحم ربي) لذلك قد تعتبر صفة الخيانة لا تنطبق إلاّ على المرأة، لأن الصورة النمطية المعتادة عنها أنها (صنوّ الوفاء). فنزعة بعض النساء للبحث عن ملذاتهن خارج أطر العلاقة المؤسسية (الزواج) مهما كانت صيغتها إنما هي من باب تخلّق المرأة بأخلاق الرجال الصيادين..
الرجل يمارس هواية الصيد في علاقاته مع النساء؛ فالصيد (الصعب) يكون أمامه بمثابة صيد (الفيل)، لذلك يتطلب منه مجهود عالٍ جداً ويرافقه متعةً بمقدار التعب نفسه عندما ينجح بصيده. أما المرأة القناصة التي تطارد الرجل فتكون بمثابة صيد (الأرنب) له، فلا يكترث لها لأنه يدرك سهولة صيدها إن رغب بذلك. وإن كانت (معجبة جداً) وتريد الإيقاع به -سواء كان قابلاً للإيقاع أو حتى عصياً عليه- فيقع فريسة لها بسهولة شديدة؛ فدماغ المرأة خطير جداً وتستطيع أن تصل لما تريد.. فاختاري أيتها المرأة ماذا تفضلين أن تكوني فيل أم أرنب!!! واختار أيها الرجل مع من تكون: الأصل الوفاء أم التقليد المشاع !!!
ما يسلّي الرجل الصياد في علاقاته المتكررة اللامتناهية، هو تأمله للنساء في تذبذب مواقفهن وغباء تصرفهن أمام الإشارات المزورة للحب، فهو يحتاج أن يجنّ بين الحين والآخر-ولو كذباً- ليمارس على الحياة سطوة ذكائه(الذكوري) كسارقٍ لن يُمسك يوماً بالجرم المشهود. شيء شبيه باللعبة اعتاد على ممارستها دوماً مع أنثاه الحقيقية وهي الحياة..
فعندما يمسح الرجل مكالماته مع (صيده الجديد) قبل العودة إلى زوجته، فهو يتبرأ منها خوفاً أن يثبت عليه وجودها في حياته من خلال هاتفه، فبنظره لا علاقة نسائية تستحق أن يخسر من أجلها مكاسبه الاجتماعية، وإن ادّعى العكس. لأنه يؤمن أن الحب سطوٌ مشروع لا (علاقة شرعية) للأسف الشديد، ويفضل أن يعيشه هكذا بهواية الصيد المتكرر، وعناوين جنونه في التقائه بفرائسه ومغانم صيده لها أماكن مختلفة أو بلدان مختلفة أو حتى أرقام وهواتف مختلفة..
الرجل الصياد نفسه عندما يختار زوجة له يريدها زهرة لم يمتلك سرّها أحد، لونها مستعصٍ على التفسير، لم تخلع عنها عباءة الحياء بعد، فقد اعتاد الورود سيئة السمعة التي تتحرش بقاطفها وتُشهر لونها وعطرها، فتلك حتماً ستجد دائماً (عابر سبيل) يشتريها. أما هو يريدها (زوجة منزل) فقط ليعود بعد ذلك لممارسة هوايته بصيد النساء مرات ومرات، ولن يملأ عينيه من صيده المتكرر إلا تراب مقبرته..

أما المرأة القناصة من إناث الشهوة، وصائدات الثروة، معتادات النزوة، وراغبات الشهرة، ستبقى في غيبوبة النشوة تحت تأثير الخدر العشقي إلى أن يأتي اليوم الذي يُدميها ويتركها تنزف من ظلم فقدانه وسط الأمواج العاتية للحياة، وهو يفعل ذلك مع كل امرأة توهّم حبها أو أوهمها حبّه.. فكيف لامرأة حتى لو كانت قناصة ماهرة أن تنسى رجلاً آسراً ومدمراً إلى هذا الحدّ، برقتّه وشراسته، غموضه وشفافيته، لطفه وعنفه، حقيقته وتعدد أقنعته.. كل امرأة تعتقد أنها تملك نسخة فريدة من كتاب الحب مع ذلك الرجل، وتعتقد أيضاً أنها هي وحدها القارئة والبطلة فيه، (ولا أحد) سيصدّق يوماً ما سترويه من (حصرية) حبه لها لمتانة أقنعته واعتياده على الحب العابر: غنائم صيده المتجدد؛؛ لا أحد سيصدقها أو حتى يشعر معها.. فمثل تلك العلاقة تفجر جنون كيمياء من (شذى وأذى) معاً تتراوح بين كرٍّ وفرّ، وبين مكر وعنبر في ذات الوقت، لا نجاة لامرأة مهما كانت قناصة ماهرة من كوارث عبقها وألم وخامتها في نهايتها.. فاحذرن روعة ورقيّ البداية حتى لا تقعن فرائس وتوجعكنّ النهاية..
ثمة رجال ونساء يبثّون ذبذبات سلبية نابعة من رائحة خيانتهم النتنة دون وعي منهم، يبررون سلوكياتهم القبيحة بكآبتهم وهمومهم أو حتى ضغوطهم المزيفة، وفي الحقيقة هي عقد النقص المتراكمة لديهم وعقدهم المتكاثرة كنتيجة حتمية لأمراضهم النفسية المزمنة، وهنا وجب علينا كمختصين انتشالهم من وحل أنفسهم. لكن بعضاً من هؤلاء لا أمل منهم للأسف الشديد، فمهما تمدّ لهم يد النجدة على أملٍ فإذا بطاقتهم السلبية تتشبث بتلابيبك حدّ الإغراق في بركة مياه آسنة..
إن الشرف والصدق صنوان لا يفترقان؛ فشرف الإنسان رجلاً كان أم امرأة يكون بالصدق، كلّ الصدق في التفكير والإحساس والأفعال. فالشرف هو أحادية الحياة لا ازدواجيتها وهي نفسها في العلانية والخفاء. فمن الضروريات الملحة لكرامة الإنسان تلاصق شرفه بالصدق، أما العكس، فإنه يقتل العقول والأنفاس وتودي بصاحبها إلى الدرك الأسفل في كل شيء، أي في الحضيض، فيخسر الإنسان الدين والدنيا معاً.. وتبقى الكرامة دوماً هي العنوان...

وإن عدنا إلى شعر محمود درويش وربطه المرأة بالوطن عندما قال" الأرض أم أنتِ عندي أم أنتما توأمان"، والى شاعر المرأة نزار قباني واعتبارها الوطن ذاته عندما قال" فهل المرأة شيء آخر غير الوطن"، نصل لحقيقة مفادها أن الرجل الصياد والمرأة القناصة ليس لديهم أصالة الانتماء، وحميمية اللقاء، وعنفوان الكرامة والكبرياء، وأبدية (الوفاء) للوطن؛؛ فالوطن واحد لا أوطان عابرة وكذلك المرأة فهي المصير لا (عابرة سرير)..فمن يخون امرأته ومن تخون رجلها لا غرابة حينها البتّة من خيانة الوطن.. فالمبادئ لا تُجَزّأ..

أختم المقال بحسرة غياب (الحياء) في الوقت الحاضر، فقد أمسى نوع من أنواع الأناقة المفقودة، شيء من البهاء الغامض الذي ما عاد يُرى على وجوه بعض البشر من الجنسين على حدّ سواء للأسف الشديد وبحسرة أكثر...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل الصيّاد والمرأة القنّاصة الرجل الصيّاد والمرأة القنّاصة



GMT 22:19 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى متى ستبقى المرأة في عالمنا العربي الحلقة الأضعف .

GMT 09:29 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الهولوجرام والسحر في العصر الحديث

GMT 11:59 2019 الجمعة ,23 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 16:37 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 10:05 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الطفولة العربية والمستقبل

GMT 12:12 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

العنف ضد المرأة حاجزا فى سبيل المساواة والتنمية

GMT 08:13 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

سيّدتي لا تصدّقينا

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya