فن العيش

فن العيش

المغرب اليوم -

فن العيش

أشرف طانطو

نحن لزمن السبعينات حيث النظام ونظافة المسابح، الثقافة السينما المسرح ودور الشباب :
أن تختار كتابة الرأي أو أن تكون كاتب رأي، فذلك يتطلب منك القراءة ثم القراءة، مطالعة الكتب والإطلاع على مواضيع مختلفة.
كما يتطلب منك ذلك، مناقشة ما يجري داخل المجتمع والإلمام بكل ما يحدث وما له من راهنية....

في هذا الصدد، لدي فضول وتطفل إيجابي للحوار والمناقشة مع أي شخص وفي أي مكان، ولطالما كونت صداقات رائعة بفضل هذا الفضول والتطفل.
البارحة بينما كنت في المقهى منتشيا بشرب شاي بالنعنع، ممسكا بسيجارة وقلم لفك شيفرة الكلمات المتقاطعة، أثارني نقاش بين رجلين في الخمسين من عمرهما، يدور حول الجو العام للقنيطرة وكيف كانت الحياة بالمغرب في السبعينيات من القرن الماضي.

ولم أتمالك نفسي فوجدتني مشاركا في النقاش بجانب الرجلين، فبدأت أطرح جملة من الأسئلة، أسئلة قد تمكنني من العيش في تلك الحقبة الغابرة من الزمن من خلال الشهادات والحكي.

وهذا كان مغزى أو فحوى نوستالجيا الرجلين الخمسينيين :
1)   نظام ونظافة المسابح :
قال الرجلان، أن حياة السبعينات كانت رائعة جدا وذات معنى، فمثلا حينما كنا نذهب للمسبح البلدي، كان هناك نظام وإحترام كبير لهذا المكان، فلم يكن مسموحا بالإرتماء والغطس في المسبح إن لم تذهب أولا لمكان الإستحمام وإزالة العرق والغبار حفاظا على نقاء وسلامة المياه من المكروبات، وأضاف أحدهما لقد كنا نقدس المياه ولا أحد منا كان يجرأ على التبول فيه كما يفعل أبناء اليوم، ليضيف الآخر كما كانت هناك سلالي مخصصة لوضع الملابس حفاظا على جمالية المكان وترتيبه. لقد كان زمنا جميلا حقا.

2 )  لقد كنا نتنفس الثقافة :
هنا يتحدث الرجلان والحزن باد على وجهيهما البشوش، ويقولان نتأسف على حال الثقافة في المغرب والقنيطرة.

ويضيفان كانت أياما حلوة تلك التي قضيناها أيام المد الإشتراكي، لقد كبرنا مع دور السينما والمسرحيات التي لعبت دورا تنويريا فكريا بالإضافة إلى النشاط الكبير الذي كانت تعرفه دار الشباب التي كان لها دورها في التأطير وبناء الشخص.

ليكملا الرجلان ويقولان، نشعر بأسى شديد ونحن نمر بجانب دور السينما المغلقة بالمدينة، ونحن نسمع عن دور شباب أصبحت كمدن الأشباح لا قيمة تأطيرية فكرية تثقيفية لها.

ونتألم من رؤية شباب نخرته المخدرات وإلتهمته عقلية السرقة والإعتداء على الآخر بعدما أعدمت المسارح والسينما.
نحن نعيش ردة ثقافية فكرية خطيرة جدا.
لقد كنا نتنفس الثقافة ونحيى بالفنون، لقد كنا نتنفس الثقافة يا ولدي.
3 ) كنا نلتهم الكتب إلتهاما :
 
يبدو أننا كنا محظوظين جدا على عكسكم أنتم اليوم ، فبجانب النشاط الكبير لدور السينما ووفرة المسرحيات الرائعة ، كنا مهووسين جدا بقراءة الكتب والروايات فهذه كانت هوايتنا المفضلة إقتناء الروايات الأدبية والكتب التاريخية الفلسفية.
لقد كان الناس مثقفين جدا يناقشون أي موضوع وبفكر عالي ، ولهذه الأسباب ضربت الثقافة في المغرب لأنهم لا يريدون شعبا واعيا مثقفا لأن ذلك يرعبهم ويطالبهم بالتغيير.

في خضم الحديث عن الكتب والروايات ، طرحت سؤالا على الرجلين ، هل تضنان أن الأنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي اليوم ، ساهما بنفور الشباب وإبتعادهم عن ثقافة الكتب والمطالعة.

فرد علي أحدهما وقال ، نعم ولكن ليس بنسبة كبيرة بل على العكس فالأنترنيت أتاح إمكانية كبيرة للوصول لأي نوع من الكتب والثقافات لكن شريطة الإستغلال الجيد لهذه التكنولوجية السحرية ، والمسؤول الأول كما سبق وأشرنا هو الدولة فإقبار الثقافة والفكر شيء ممنهج ومقصود.

وقال صديقه الاخر ، أشعر بالحزن حينما ارى شباب اليوم يملؤون المقاهي والشارع العام ولا يحملون أي كتب في أيديهم ، ثم أضاف أحن لزمن المقاهي الأدبية.
 
4 )  كنا نعشق الحياة ولم يكن هناك أي تطرف ديني :
بعد الحديث عن الثقافة، السينما، المسابح... سألت الرجلين عن مسألة مهمة جدا وهي الجانب التديني وكيفية العيش، فكانت الإجابة كالتالي :
كما يعلم الجميع، كانت السبعينات محطة للقمع وخنق حريات التعبير السياسية والنقابية، لكن في نفس الوقت كانت فترة مميزة مليئة بالحياة فقد كانت هناك موضة اليسار والرغبة في النضاد، كان هناك الهيبيزم والسراويل العريضة من تحت، ناس الغيوان وغيرهم إضافة إلى فلسفة التجمعات النقاشية السرية، الإستمتاع بالموسيقى والأفلام الهندية والكوبوي.

ثم  أضاف الرجلان أن أهم شيء ميز تلك السنوات الماضية، الإنفتاح الذي كان بميز المواطن المغربي الذي كان محبا للحياة لا يحمل أي كراهية للآخر، غير المسلم، فلم نكن نسمع فتاوى التكفير، الحلال الحرام، الجهاد، الحجاب، المرأة والفتنة.....

فالكل كان يعيش ببساطة ودون تعقيدات، فالشواطئ كانت مزهوة بالبكيني والنساء الجميلات ولم يكن هناك أي تحرش جنسي أو تطرف ديني.
بل كانت تنضم مسابقات ملكات الجمال بالبكيني على الشواطئ.

هنا سألت الرجلين عن من المسؤول عن التطرف والردة الحياتية التي بتنا نعيشها في المغرب وأعطيتهما مثال الشابين اللذان ذهبا لداعش من مدينة القنيطرة...
ليجيبني أحدهما وبدون تردد، المشرق هو سبب ذلك فالوهابية التكفيرية والفكر الإخواني أفسدا عقول الشباب المغربي، وأعطاني مثال الشبيبة الإسلامية التي إغتالت عمر بن جلون.

واسترسل الآخر، والدولة المسؤول الأول عن هذا الإرهاب الديني، فهي من أنشأ الحركات الإسلامية وشجعتها بالجامعات والمجتمع لتحارب الفكر اليساري، لتكون النتيجة كارثية تطرف واغتيال للحريات الفردية ووصائية وتطفل على حياة الناس الخاصة.

بعد هذا الحوار الشيق، أنهيت كلامي مع الرجلين بسؤال حول الانتخابات التشريعية المقبلة، فسألتهما عن حزبهما المفضل فأجابا وبذكاء كبير :
 
ليس لدينا حزب مفضل، فالكل سواسية مسكيين من مغرفة وحدة، لكن أكيد لن نصوت على العدالة والتنمية تجار الدين، رأي الفقهة بلاستهم فالجوامع ماشي فالأحزاب والسياسة والحكومة.

وإسترسلا، إلياس العماري هو من سيفوز برئاسة الحكومة فالأمور واضحة فحزب الجرار الأصالة والمعاصرة أصبحت لديه شعبية كبيرة.
وعلى الأقل ابن الريف، رجل حداثي وليس بمستغل متاجر بالدين.

وهنا طرحت عليهما سؤالا حول إلياس العماري وما يقال عنه من نفاذ كبير في الدولة وعلاقته بالمخدرات والإتجار بها.
فقال لي أحدهما ، يجب أن تعلم يا ابني أننا في المغرب نعاني من شيء اسمه عقدة النجاح وأعداء النجاح ، فكلما رأينا رجلا ناجحا في حياته إلا وكثر الكلام عنه ويشكك في مصدر أمواله وثروته.

واستكمل القول ، على العموم من لديه أي دليل فليذهب للقضاء والنيابة العامة ، أما الكلام الفارغ وإتهام الناس فذلك شيء مذموم.
وأنهيا حديثهما معي بالقول، نحن لزمن السبعينات والتعليم مفتاح الحداثة ومحاربة الردة الفكرية والإرهاب الديني وتقديس الحريات الفردية ، ويجب على الحكومة القادمة الإهتمام بالثقافة ثم الثقافة فالثقافة.

وبعد إنتهاء هذا الحوار الشيق ، بالصدفة ، عدت مرة أخرى لكأس الشاي خاصتي وأشعلت سيجارتي الشقراء مرة أخرى، وكلي متمنيات لو كانت لدي آلة زمن ترجع بي للسبعينات، الزمن الجميل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فن العيش فن العيش



GMT 09:22 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

"أديب ذو سجون " للكاتب المغربي عبده حقي

GMT 04:13 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 12:20 2019 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

فتاة القطار

GMT 17:55 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عالم الأمومة المفخخ

GMT 12:05 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

أجيال

GMT 19:07 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 14:38 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya