يونس الخراشي
هبت الريح عاتية دون أي سابق إنذار في ذلك اليوم، ونحن نتأهب لتوديع الألعاب الأولمبية في دورة ريو عما قريب. وتمايلت الأشجار في الشارع الذي يوجد فيه مقر إقامتنا، فيما كان حفيف الرايات المعلقة بجانب الفندق، وهي تتمايل تمايلا شديدا، وتميل معها الأعمدة حيث علقت، يفيد بأن رياحا أشد ربما تأتي في الطريق.
وفي المساء، وقد راحت الأمطار تقصف الأسفلت، وتلطم زجاج النوافذ، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد انقطع التيار الكهربائي عن مقر إقامتنا، ووجدنا أنفسنا في ظلام دامس. أما حين خرجنا، عبر منافذ الإغاثة، بما أن المصاعد كانت متوقفة، لاستطلاع الأمر في الاستقبالات، وحتى في الشارع، فقد اكتشفنا بأن الأمر يتعلق بانقطاع للتيار الكهربائي في المكان كله من حولنا.
المشكلة أن التيار الكهربائي المنقطع ذهب معه بـ"الويفي"، مما جعلنا نصبح بلا ارتباط بشكة الإنترنيت، وهو ما عطل عملنا إلى حد ما، وجعلنا، نحن الصحافيين على الأقل، نكتفي بالكتابة، مستغلين ما تبقى في حواسيبنا وآيباداتنا من طاقة، على أمل أن التيار قد يعود في أي لحظة، لنبعث بالمواد، دون أن ندرك بأنه سيبقى كذلك حتى صباح اليوم الموالي.
انقطاع التيار الكهربائي فجأة يؤدي إلى شعور بالملل، بل وحتى بالأسى، بما أن مشاهدة التلفزيون تصبح من الأمور المستحيلة، فضلا عن أن المأكولات والمشروبات التي توضع في الثلاجة، لاستعمالها عند الحاجة، تصير بين قوسين، وقد تتلف بسرعة، ويتعين شراء غيرها، ما قد يرهق الجيوب، كما أن الماء الساخن يصبح مجرد ذكرى، ولا مجال لاستعمال الحمام.
"وأوطيل هذا.. ديك النهار تقطع الما.. ودابا الضو.. وشي نهار نجيو منلقاوش حوايجنا".. قال أحدنا.
ولم يسلنا في تلك اللحظات الغارقة في الظلام، وعصف الرياح، وطقطقات المطر، سوى زيارة البعض منا لغرف البعض الآخر، رغم العتمة، لتبادل الحديث، وبخاصة حول الطرائف التي وقعت لنا في ريو، ولم نجد مناسبة نستعيدها إلا تلك، بحيث استمعنا لكثير من طرائفنا يحكيها لنا، بطريقته الخاصة، نور الدين بلحسين، ورحنا نضحك، ونعيد الكرة.
وكم هو صادق ذلك المثل الفرنسي القائل :"من النقاش تنبعث الأنوار". فقد وجدنا الفرصة مواتية أيضا كي نضع في محك النقاش تلك الطريقة التي وصلنا بها إلى ريو ديجانيرو، وعدد الموفدين من صحافيين ومصورين، ورحنا نقلب الفكرة تلو الفكرة، وننصت لبعضنا البعض، وكل يدلي بدلوه، لنخلص إلى أنه يتعين إعادة النظر في كل شيء، حتى يتسنى للمغربي أن يحظى بتغطية أفضل للألعاب الأولمبية مستقبلا.
في وقت من الأوقات، وقد عم السكون كل الفندق، ولم يعد أحد من ضيوفه يصفق باب أدراج الإغاثة كي ينزل إلى أسفل، لعله يستطلع أمر التيار الكهربائي، فضلا عن أن الأنوار التي كانت تنبعث بين الفينة والأخرى من بعض الهواتف، خبت كلها، راح كل منا يبحث له عن مكانه المعتاد، لينام، على أن يتم ما تبقى من العمل في صباح اليوم الموالي، ويبعثه إن تسنى له ذلك.
حين استيقظت، حوالي الخامسة والربع من صباح يوم غد، فطنت بسرعة إلى أن التيار الكهربائي، الذي عاد للحظات قصيرة جدا بالليل، واضطرني كي أنهض من مرقدي لإغلاق جهاز التلفزيون، ما زال منقطعا، ما دعاني إلى الخروج بسرعة بحثا عن حافلة "باك وان"، حيث يتوفر على "الويفي"، حيث يمكنني أن أبعث المواد إلى الدار البيضاء.
لحسن الحظ، فقد اشتغل مستخدمو المطبخ طويلا، ومن وقت مبكر للغاية، كي يعدوا لنا وجبة الفطور، وإن افتقدت، وأنا على مائدته، برنامجي المفضل "بون جيا ريو"، وعرفت أن شيئا ما ضاع مني في ذلك الصباح، وإن كنت، في المقابل، حصلت على أشياء أخرى جميلة، لعل من بينها "ملامستي" للنجوم البعيدة في سماء المدينة، حين كنت أرقب، بعض المرات، من نافذة الغرفة المعتمة ليلا، عساي أعرف ما إذا كان الجيران، من حولنا، قد استعادوا التيار الكهربائي، أم أنهم بدورهم ينامون في الظلام، فتأسرني تلك النجوم وهي تتلألأ في سماء فسيحة.