بقلم: بدر الدين الإدريسي
شدني إليه بقوة الحوار الذي أنجزه الزميل المهدي الحداد بالدوحة مع الناخب والمدرب التونسي نبيل معلول، الذي نجح في تأهيل نسور قرطاج لمونديال روسيا، ليكونوا رابع منتخب عربي يشارك في الحدث الكروي الأكثر كونية بمعية منتخبات المغرب، مصر والسعودية، حوار بدرجة عالية من الصدقية، هي أهل للذكاء وللمصداقية التي يوصف بها نبيل معلول في أوساط المدربين المغاربيين، حوار جدير بنا أن نقرأ جيدا ما بين سطوره.
على سبيل الإختزال فقط، قال نبيل معلول أنه إنبهر للتحول الكبير الذي طرأ على المؤدى التقني والتكتيكي لأسود الأطلس، منذ أن بشر المنتخب المغربي بعودته القوية خلال مشاركته الموفقة في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بالغابون، وعزا معلول هذا الصعود الملفت للمنتخب المغربي، إلى الكم الهائل من اللاعبين من ذوي المهارات العالية، المتواجدين برفقة كبار الأندية الأوروبية والذين يضعون المدرب هيرفي رونار أمام الكثير من الخيارات التي يحسد عليها، وأضاف على ذلك أن المغرب رصد كل الإمكانيات المادية واللوجيستيكية لتطوير كرة القدم من قاعدة الهرم إلى قمته، مستدلا على ذلك بأن تأهل أسود الأطلس للمونديال بعلامة الإستحقاق الكاملة، من خلال مجموعة فولاذية تواجدت فيها منتخبات كوت ديفوار، الغابون ومالي، تزامن مع تتويج الوداد البيضاوي بعصبة الأبطال الإفريقية وتأهله لمونديال الأندية.
ما قاله معلول صادقا لا مجاملا، هو ذاته الذي قاله أحمد شوبير النجم المصري السابق ومقدم العديد من البرامج الحوارية على أكثر من قناة مصرية قبل أسابيع، عندما أبرز وقائع كثيرة تقول بأن المغرب يسير بسرعة الصاروخ، وأنه في طريقه ليحكم هيمنته وسيطرته على كرة القدم الإفريقية.
ولعلكم طالعتم صورا كثيرة من هذه الأحكام القيمية والمسنودة بدلائل دامغة، مجسدة في الطريقة التي قدم بها في كثير من صحف العالم التي لها ارتباط بالكرة الإفريقية، تأهل المنتخب المغربي لنهائيات كأس العالم بروسيا، إذ أن هناك اقتناعا راسخا لدى كل هؤلاء أن المغرب خامس سفراء الكرة الإفريقية بالمونديال القادم، إستعاد ذاكرة الإبداع المفقودة منذ سنوات.
ليس الغرض من إبراز هذه الشهادات، المباهاة والتفاخر، وليست هناك إطلاقا أي نية للإدعاء بأننا أصبحنا الأفضل في محيطنا القاري، وقد كنا قبل سنوات في الحضيض لا نكاد نتلمس ضوء في عتمة الإخفاقات والفشل، ولكن الهدف من هذا كله هو الوقوف على حقيقتنا مروية من أناس يقفون في مواجهتنا، أو لنقل هم المرآة الحقيقية التي يمكن أن نرى فيها أنفسنا بكل تجرد، بلا مساحيق ومن دون أي توهيم للصورة.
والحقيقة المطلقة التي يشترك فيها كل هؤلاء الذين وضعوا علامة الإمتياز على تأهل الأسود للمونديال، هي نفسها التي تحدثت عنها كثيرا، حقيقة أن هناك نجاحا نسبيا، ما حققناه إلا بعمل جماعي، ولا مجال أبدا للتفريط فيه، إما بتعظيمه وتهويله والمبالغة في الفرح به وإما بسوء استثماره.
غيرنا يرى كثيرا مما لا نراه نحن في كرتنا، وعندما يدلنا غيرنا اليوم على أن التحول النوعي لكرة القدم المغربية، هو نتاج لاستراتيجية موضوعة بإحكام ومستوفية في التنزيل لكل الآليات والأدوات العلمية، فإن ذلك يبرز أهمية أن نكون قد نظرنا لكرة القدم في شموليتها، على أنها منظومة متكاملة لا يمكن أن تعمل إلا إذا تواصلت الحلقات فيما بينها، لذلك أتصور أن الصعب والشاق بل والمصيري هو ما سيأتي في ما بعد، أو لنقل هو ما يبدأ اليوم.
ليس القصد أن تضع جامعة الكرة كل الإمكانات الضرورية لينجح الفريق الوطني في موندياله القادم، فلا شك عندي، أن الجامعة بإلحاح من رئيسها فوزي لقجع ستضع كما العادة كل المؤثرات وعناصر النجاح إلى جانب الأسود، ولكن القصد هو أن يتواصل العمل الهيكلي في المحاور التي تضمن ديمومة النجاح واستمراريته، فلا يمكن لحدث تتويج الوداد باللقب الإفريقي الأغلى، أن ينسينا الأوجاع التي تشكو منها النوادي الوطنية وهي لم تتأهل بالكامل للدخول الفعلي في الزمن الإحترافي، وأبدا لن يتحول تأهل الأسود للمونديال إلى شجرة كثيفة تخفي غابات من العيوب، وقد زاد اقتناعنا بأن منتخباتنا الصغرى والتي تعتمد في قاعدة كبيرة على المنتوج الكروي المحلي، مصابة بوهن كبير ولا قدرة لها على مجاراة منتخبات القارة لغياب منظومة تكوين عالية المستوى، إن على صعيد الجامعة وإن على صعيد الأندية، ولا هذا ولا ذاك يمكن أن يشغلنا عن الأوراش التي بوشر العمل فيها ولكن بوثيرة بطيئة تخلق خللا على مستوى فاعلية ونجاعة التغيير.
الفرح الشعبي والجماعي بتأهل الأسود للمونديال هو فرح مشروع، والحلم بأن يستعيد زملاء بنعطية روائع الأمس القريب والتي ما زال مونديال المكسيك يذكرها، حلم مشروع، ولكن إزاء هذا كله لابد وأن نعي تمام الوعي، أننا شقينا وتعبنا بل وهرمنا من أجل هذه العودة الهلامية لمسرح الكبار، حيث تكتب الأساطير، لقد حفرنا الصخر بالأظافر لنصل إلى القمة، ولن يكون مسموحا لنا الهبوط سريعا من هذه القمة بمفاخرة كاذبة، أو بتنازل عن التواضع الذي هو سمة العظماء، أو بما يعيدنا مجددا لسوق الوهم.