بقلم : عبدالله الفادي
الحديث عن كرة القدم المغربية، يجرنا للدخول في دوامة من الاشكاليات المعقدة التي يصعب فهمها، وإلى متاهة حقيقية تختلط فيها الأمور، وتتباين فوارق التناقضات الصارخة في عدة أشياء، في مقدمتها الإمكانيات المالية الهائلة التي تفتح الباب لتحقيق النجاح على جميع المستويات ومضاهاة أبرز البلدان والاتحادات العالمية، وكذلك التميز على مستوى النتائج على الأقل قاريا لمنتخباتنا الوطنية في كل الفئات العمرية، لكن الواقع عكس ذلك بالمرة...جامعة "لقجع" تتمرغ في نعيم الأرقام الفلكية من الملايير التي كان إلى وقت غير بعيد تصديق أنها ستكون في حسابات الجهاز المسؤول على الرياضة الشعبية الأولى في المغرب، وقد يكون من الخيال كذلك أن يتوفر لبقية الجامعات الرياضة مهما علا شأنها، وحتى لقطاعات أخرى أكثر أهمية بالنسبة للمواطن...التقرير المالي للجمع العام الأخير للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أكد ذلك بالواضح الصريح، عندما جاء مثقلا بالمداخيل، ولو أن الجهات الممولة والداعمة تبقى نفسها التي كانت منذ سنوات، مثل الوزارة الوصية ومؤسسات اقتصادية تصنف في خانة المواطنة التي تدعم الممارسة الرياضية وتساهم في تطويرها، وبالمقابل كذلك كانت المصاريف كبيرة، وبأرقام خيالية يصعب على البعض حتى قراءتها، فكيف له تصديق أنها صرفت في موسم كروي مالي عمره سنة واحدة، عكس جل الممسكين بزمام الشؤون الكروية من ممثلي أندية القسمين الأول والثاني وأقسام الهواة والعصب الجهوية الذين اختاروا المصادقة على التقرير المالي كما هو الحال مع الأدبي بالإجماع المرفق بالصمت المطبق، وحتى الأصوات التي تكلمت كانت مبحوحة، ولو أننا واثقون أن صمتهم ليس بالضرورة علامة رضا، بدليل أن الكثير من هؤلاء تجدهم في غالبية الوقت يتحدثون ويشتكون لوسائل الإعلام عن مشاكل لا حصر لها، غير أنهم في اليوم الذي من المفروض أن يكون للحساب أظهروا مالا يخفون في نفوسهم، لأمر غير معروف قد تكون الغاية منه إرضاء علية ساسة الجامعة ولو على حساب المصلحة العليا للكرة الوطنية أو لعدم فهمهم لما يجري ويدور... 80 مليار سنتيم هو رقم مصاريف الجامعة من فاتح يوليوز من العام الماضي وإلى غاية نهاية يونيو الأخير، رقم جد ضخم يدعوا للاستغراب، والغرابة هنا ليست بالضرورة تشكيكا في مصداقية أي جهة، ولكن كيف يعقل أن واحدة من أغنى الجامعات الإفريقية حتى لا أقول العالمية هربا من المبالغة، صرفت على منتخباتها طيلة الموسم الملايير، تجد نفسها في نهاية المطاف تحصد الأصفار وتتجرع الهزائم وخيبات الأمل ، أمام منتخبات أقل منا إمكانيات من جميع الجوانب، فالمنتخب الأول سافر إلى مصر للمشاركة في " الكان" بطموح العودة بالقب كما وعد بذلك " لقجع " لكن الفرق شاسع بين أن تحلم بالمجد وتمني شعب الكرة بالنصر وبين أن تملك مفتاح ذلك، بمجموعة جلها من اللاعبين المحترفين من أبناء مغاربة العالم، الذين ترعرعوا وتكونوا كرويا داخل أندية أوروبية، ولا بصمة لنا بالمرة على ما يملكونه من مؤهلات، وكل ما نجحنا فيه هو إقناعهم بالدفاع عن قميص منتخب البلد الأصل بدل البلدان التي يحملون جنسيتها، في غياب أبناء البطولة وفي ذلك اعتراف بفشل الأخيرة وفشل الإدارة التقنية الوطنية التي بلغت مرحلة الإفلاس الذي حكم على "ناصر لارغيت" بالرحيل كاستمرارية لبدعة ايجاد شماعة يعلق عليها الفشل بعد كل كبوة رغم أن النكبات في منظومتنا الكروية هي الأصل والانجازات مجرد استثناءات نادرة، لكن للأسف ففريق "رونار" الغير مأسوف على رحيله وهو الذي كان يكلفنا ومن معه من الفريق التقني مالا يصدق، عاد بخفي حنين من دور الثمن النهائي، مع أشياء غير مشرفة كان أبطالها عدة لاعبين فجرها بعض الصحافيين الذين كانوا في أرض الكنانة لتغطية الدورة، لكن مرت عليهم بردا وسلاما في غياب الرقيب والحسيب الذي استفاق على ملف حارس المنتخب المحلي الودادي "رضا التكناوتي" بطريقة تعتبر سابقة غريبة سيذكرها التاريخ دائما كما يذكر للسابقين واقعة الحارس الخريبكي "السيبوس" التي كانت سببا رئيسيا في حرمان فريقه من التتويج بلقب البطولة الوطنية قبل 30 سنة مضت...وقبل المشاركة العار في "الكان" كانت هناك خيبة أكبر لأن الأمر يهم المستقبل ويتعلق بمنتخب الناشئين الذي عاد هو الآخر من الكأس الإفريقية بتانزانيا من الدور الأول بعد أن احتل الصف الأخير في مجموعته بنقطة وحيدة كانت من تعادل مع السينغال وهزيمتين أمام كل من غينيا والكاميرون، وداخل أرض الوطن كذلك رافقت الهزائم وخيبات الأمل منتخباتنا الوطنية عندما ضهر الأشبال بدون مخالب في الألعاب الإفريقية الأخيرة وغادرو من دور المجموعات ليتم وكما الحال دائما إقالة "السلامي" من مهامه وكأنه المسؤول الوحيد على فشل منظومة كاملة، وبعدها تلقينا الصفعة الكبرى التي أكدت لنا بالواضح أن ما حدث من نتائج في السابق ليس حوادث عابرة و نتائج هي جزء من معادلات اللعبة، بل هو واقعنا وحصاد العشوائية التي يزرعها ساسة القرار، وكل من قام بواجبه في التوجيه والنقد البناء إلا وتحول إلى معادي للأوراش ومشوش على الإصلاح، الغياب عن أرقى حدث رياضي في الكون، الإقصاء من أولمبياد طوكيو 2020، ولا أحد يتحمل المسؤولية غير الجامعة التي هي السبب الأول والأخير عندما قدمت هذا المنتخب قربانا في قمت العبت إلى واحد من بقايا " رونار " والذي كان مساعدا له الفرنسي " باتريس بوميل " الذي يغترف من الملايير المذكور قرابة 55 مليون سنتيم شهريا كراتب دون احتساب بقية الامتيازات، وهو بدون أي تجربة يعتد بها أخرجنا أمام منتخب مالي، بعد أن أعادنا الاتحاد الأفريقي بالقلم ونحن الذين خسرنا بالكرة أمام الكونغو الديمقراطية، ولكن رغم الفسحة الزمنية بين المقابلتين لم تتم الاستفادة من الدرس فقد تمت إقالة الهولندي " مارك فوت" وبعدها النوم في العسل مادامت سياسة الحلول الترقيعية هي سيدة الموقف وهي التي تقود إلى قرارات غير مدروسة نتائجها اليوم تضعنا مع أسفل السافلين رغم أن هناك من يحاول الدفاع عن الباطل بالباطل، من خلال الحديث عن منجزات ومشاريع وبرامج وقوانين وغيرها من الأشياء التي تبقى مجرد أحلام وردية متناسين أن الأمور بالحصيلة والحصيلة لحد الان هي الأصفار المكعبة... لسنا بالمرة ضد أن تتوفر الجامعة على كل هذه الإمكانيات المالية وتصرف كل هذا الرقم بل نتمنى لها الأكثر ونتمنى أن يعم كل هذا النعيم على كل الجامعات، لكن شريطة أن تكون الحصيلة مرضية وليس خيبة بالملايير على حساب دافعي الضرائب وعلى حساب فئات اجتماعية في حاجة إلى كل شيء، وغير ذلك هو العبث والتبذير وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي الأخير يطلع علينا مسؤول ببرودة دم تلخص أسباب تخلفنا الرياضي، ليعلق النكبة على غياب الحض وبكون الخسارة في "الكان" أمام منتخب صغير هي (le charme ) !!!…