كان موعد مغادرتي لمصر مبكرا، وكنت معتادا على أن أحل بالمطار قبل ساعات من موعد الإقلاع تحسبا لأي أمر خارج التوقعات.
انطلقنا من فندق «البارون» الذي أقمنا به، بعد أن شكرنا أحمد شاهين الذي وفر لنا سيارة لتقلنا إلى المطار.
كانت مغادرتي لمصر أشبه بالحبيب الذي يفارق حبيبته بعد سنوات من الهيام.
دخلنا أنا وصديقي محاميد وسجلنا كل البيانات، ووضعنا أمتعتنا لدى شركة الطيران، واخترنا أن نقضي ما تبقى من الوقت في الحديث أو مشاهدة آخر الأخبار على هاتفينا.
مع اقتراب موعد الرحلة بساعة تقريبا، اخترنا البدء بالتحضير للمغادرة وإنهاء جميع الترتيبات.
وبالفعل تم الأمر إلى غاية الحاجز الأخير الذي يكون بمثابة نقطة تفتيش بسيطة قبل بلوغ الطائرة.
بعد الختم على جواز سفري بمغادرة التراب المصري وبلوغ الحاجز، طلب مني آخر شرطي في المطار أن أنزع حزامي وأعاود الكرة قبل المرور من جهاز التفتيش..
كنت منزعجا، خصوصا أن العملية تكررت أكثر من مرة. لذلك وضعت كل ما بحوزتي، بما في ذلك جواز سفري في صندوق ليعبر جهاز التفتيش.
كنا ستة أشخاص فقط نمر في التوقيت نفسه، وذلك بحكم أننا أبكرنا في القدوم إلى المطار، وتعلق الأمر برجلين وامرأة رفقة ابنتها الصغيرة، وشابة في مقتبل العمر، ورجل في الأربعينات.
عقب مروري بالحاجز، أخذت الصندوق وذهبت إلى أحد المقاعد حتى أرتب حاجاتي، قبل أن أفاجأ بعدم وجود جواز سفري، لكني، في المقابل، وجدت جواز سفر آخر موضوعا فوق كرسي مجاور، بادرت إلى أخذه، وبعدما قرأت محتواه كان سهلا علي التعرف على صاحبه بحكم أننا كنا ستة أفراد فقط.. توجهت صوب تلك الشابة وطلبت منها أن تمنحني جواز سفري، لأنه حصل خلط بين جوازينا، قبل أن تفاجأ وتشكرني على منحها جوازها، غير أنها قالت لي إن جواز سفري ليس بحوزتها.
سارعت أنا ومحاميد نسأل باقي الأفراد إن كان أحدهم عثر على «الباسبور»، لكن دون جدوى، الكل نفى عثوره عليه. كان الوقت يمر بسرعة كبيرة تزداد معها دقات قلبي، وقصدت مسؤولي المطار أخبرهم بالواقعة، وبطبيعة الحال قالوا إنه سيتعذر علينا ذلك لكون تفريغ الكاميرات يلزمه ساعتان على الأقل، فيما الطائرة ستقلع بعد دقائق فقط.
كان هناك ستة أفراد، لكن مع اقتراب موعد الإقلاع أصبحت الغرفة تضم ما يناهز 80 فردا، وقصتي انتشرت بشكل كبير، حتى أن الركاب جميعهم بحثوا معي بشكل مكثف.
بدأت سيناريوهات كثيرة تتبادر إلى ذهني ضمنها أني سأصبح حبيس المطار، لأنه تم توقيع أنني غادرت مصر وحتى إذا نجحت في ركوب الطائرة، فإنني سأحل بالمغرب دون هوية، وهو أمر أصعب بكثير.
فتش الأفراد الستة جميع حاجياتهم، بمن فيهم السيدة التي فتشت حتى ملابس ابنتها، في حين أن الفتاة الشابة التي تسلمت جواز سفرها لم تفق بعد من صدمة إمكانية ضياع «باسبورها»، فيما كان الرجل الأربعيني يبحث معي بكل إخلاص، وأكد لي الآخران أن لاعلم لهما بموضوعي وانخرطا في الحديث.
عاد إلي الرجل الأربعيني وقال لي بالحرف أننا كنا 6 أفراد، وكان الرجلان قريبين مني، وأن هناك احتمال أن يكون جوازي بحوزتهما.. توجهت إليهما قبل أن تستوقفني المسؤولة عن المطار وتقول لي:إن الحل الوحيد أنني سأخضع الجميع للتفتيش، وإذا لم نجد الجواز فستظل معنا.. لم أعرها انتباها وتوجهت إلى الشخصين اللذين كانا من جنسية مغربية، طلبت منهما التأكد فقط إن كانا أخذا جواز سفري عن طريق الخطأ. لكن أحدهما رد علي بغلظة وقال: هذه حقائبنا فتشها.. تمالكت نفسي وقلت له: لم أتهمك ولا جئت لتفتيش حقائبك، لا يمكن أن يطير جواز إلى هناك.. فقط فتش جيوبك أو ملابسك لعل هناك خطأ.
بادر الرجل إلى تفتيش ملابسه وهو يلوح بيديه ويصيح، أخرج جواز سفره وقال: هذا ملكي وفتش جيوبه ليفتش بعدها جيبه الخلفي ويستخرج جواز سفري منه...
احمر وجهه بشكل كبير، وانهالت التصفيقات من الركاب.. أخذت جواز سفري ولم أقل له شيئا، وشكرت كل من ساعدني على إيجاد جوازي، وسمعت عبارتي «على سلامتك» و«الحمد الله على السلامة»، وهما العبارتان اللتان كان من المفروض أن أسمعهما عند وصولي إلى المغرب.
عندما ركبت الطائرة، قال لي محاميد: ألم تعرف الرجل الذي كان «باسبورك» بحوزته..؟ إنه ندير المومني. لم أجبه وفضلت السكوت، هذا الرجل سيتم تعيينه عضوا بالمحكمة الدستورية، وبالتالي كان جواز سفري فأل خير عليه:«دخل عليه مبارك مسعود».
بحثت في قائمة الأفلام المعروضة في شاشة الطائرة عن الفيلم الرائع «The Terminal» للممثل طوم هانكس، والذي يحكي ما كان سيقع لي في حال لم أعثر على جواز سفري، وكيف سأبقى عالقا في المطار.. قبل أن أبتسم في النهاية وأقول: إن محبوبتي مصر رغبت في منعي من السفر.