انزياح

انزياح

المغرب اليوم -

انزياح

بقلم : يونس الخراشي

ولدت الرياضة المغربية في حضن النضال. وكان الوطنيون، أيام الحماية، يؤطرون الرياضة كي تشكل إلى جانب المدارس الحرة مدرسة أخرى تستنهض همم الشباب، وتجعلهم يتنبهون إلى ما يحاك لبلدهم من مناورات.

بعدها، بكثير، وقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، لم تبتعد الرياضة بكثير عن جذورها النضالية، إذ صارت تناضل في مجالات أخرى، ولأشياء أخرى، تصب كلها في مصلحة الشباب، ولكن بتأطير من رجال أحرار، يصرفون من جيوبهم، حبا وشغفا.

ثم جاء زمن آخر، صارت فيه الرياضة "بيزنس"، تحتكره أغلبية ترى فيه "مصدرا للمال" ليس إلا، ولا يهمها إن كان هذا الرافد ولد في حضن النضال، وأسهم في التحرير، وبنى أجيالا وطنية كبيرة، سيظل التاريخ يذكرها بفخر.

يفهم المرء بسهولة كبيرة أن الظروف تتغير، والأحداث تصنع واقعا جديدا، وأن الرياضة اليوم هي بنت مجتمع يدين باقتصاد السوق، وهي تحتاج إلى مصاريف بالملايير لبناء المنشآت، وإدارة الجمعيات، وتكوين الشباب.

غير أنه يصعب على المرء أن يفهم كيف انزاحت الرياضة عن تهذيب النفوس، وبناء مجتمع سليم أخلاقيا. وكيف لها أن تبقى كذلك وهي تدار، على الأرجح، من قبل أشخاص قلما يمارسونها، فتجد شخصا لا يعرف أي شيء عن رياضة ما، ومع ذلم فهو الرئيس، والزعيم، والقائد، والماجد، والخالد، على حد قول الشاعر تزار القباني.

لقد انزاحت الرياضة عن طريقها انزياحا خطيرا للغاية، ولم تعد اليوم سوى "شأنا خاصا"، لا يرقى إلى ما هو مأمول من فعل تنشيطي، يقوي الصلة بين شباب المجتمع الواحد، وعبر أنواع متعددة، وليس نوع واحد فقط، سيطر بالمطلق، وأنهى الاقتصار عليه وجود أنواع أخرى.

في نهايات كأس العرش التي كانت تجرى بالمشور السعيد أيام الحماية، كنت تجد الدراج والعداء وغيرهما بين المتوجين، في اليوم المشهود. ويعني ذلك بأن الوطنيين، تحت قياجة العرش، كانوا يبنون رياضة متنوعة، ومتكافئة، وذات حضور متساو، وهو ما لم يوجد له اليوم أثر.

فكرة القدم، التي يظن البعض بأنها "نجحت"، وهي ما تزال تتلمس طريقها نحو أفق واضح، بمعالم بارزة، سيطرت على كل شيء، وما عاد يظهر المعنيون أي اهتمام لما تبقى من رياضات، مثل الدراجة، والمسايفة، والكرة الطائرة، وكرة اليد، وغيرها من الأنواع التي يكاد رسمها ينمحي.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد من الانزياح، حتى خرج علينا البعض يريد أن يجعله أمرا مسلما به، ومن خلال القانون، ذلك أننا سمعنا أصواتا تنادي بتحويل الأندية إلى شركات، بفرع واحد، هو فرع كرة القدم، أما بقية الفروع فلا معنى لأن يعطاها الاهتمام الكبير، الذي ظلت تستحقه من زمان.

ومنهم من يلطف القول، فيبادرك بأن تفعيل قانون الشركة معناه أن كرة القدم ستتطور، وفي وقت لاحق ستجر معها بقية الرياضات إلى عالم التطور والنمو. وهو مجرد كلام لا يستقيم، بما أنك ما إن تتخلى عن بقية الرياضات، لتطوير واحدة، حتى تجدها انتهت. وربما تتطور تلك الرياضة التي أردت لها النمو، فلا تربح شيئا بعد.

ينبغي العودة إلى الجذور، بطرح السؤال الكبير. ما الذي نريده من الرياضة المغربية ولها؟ وحينها، سيتجلى كل شيء، وسيسهل التصرف. فالتنوع الرياضي مهم للغاية، ومن شأنه أن يسهم، إن فعل أفقيا وعموديا، في تنمية المجتمع ككل، وبخاصة شبابه التواق إلى ممارسة الرياضات؛ بسباحتها، ورياضاتها الجماعية الجامعية، وألعاب القوى، وغيرها.
هيا إذن نحو أفق جديد، بفكر جديد. وكفانا انزياحا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انزياح انزياح



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 01:30 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر توضّح أسباب تأخر عرض مسلسل"السر"

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها

GMT 22:26 2017 الإثنين ,04 أيلول / سبتمبر

وفاة فتاة تحت عجلات قطار الدار البيضاء

GMT 09:19 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

شالكه يحصل على خدمات موهبة مانشستر سيتي رابي ماتوندو

GMT 07:52 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

رحيل الممثل المصري ومغني الأوبرا حسن كامي

GMT 12:58 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

فنانات مغربيات يحققن نجاحًا كبيرًا في بلدان الخليج

GMT 09:47 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

مقتل عارضة الأزياء الشهيرة تارة فارس في بغداد

GMT 22:20 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

العثور على رضيع متخلى عنه في أحد شوارع مدينة وزان

GMT 07:02 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

فوائد العسل الأبيض في نظام الرجيم الغذائي

GMT 08:15 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

عطور الفانيلا لرائحة منعشة تسحر شريك حياتك

GMT 04:57 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

ظهور دولفين مهجن آخر في هاواي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya