بقلم: عبد اللطيف المتوكل
عندما يستفيق القائمون على تسيير كرة القدم الوطنية من أوهامهم، ويبدأون مرحلة جديدة قوامها التدبير الجيد والتخطيط العقلاني، باختيارات ثابتة وواضحة، آنذاك يمكن الحديث عن مستقبل ناجح ومفيد لجيل اليوم والأجيال المقبلة.
ولكي تمضي الأمور في الاتجاه الصحيح، لابد أن يطرح المكتب التنفيذي لجامعة كرة القدم، المقدر لمسؤولياته والتزاماته، والحريص على حماية استقلالية القرار داخل هياكله، هذا السؤال/المفتاح: ماذا نريد من منتخب "الكبار"؟.
سؤال يجر إلى أسئلة أخرى جوهرية، هل ما نريده من هذا المنتخب يسري على باقي المنتخبات الوطنية، وهل هناك إرادة قوية وراسخة لتوحيد منهجية البناء والتدبير والتوجيه على نفس القدر من القيم الأخلاقية والرياضية وروح الانضباط والتفاني في جميع المنتخبات؟؟!.
وما الذي يجب إيلاؤه الإهتمام على سلم الأولويات، هل النتيجة الرياضية، أم التقعيد لقيم الاحترام وتقدير قيمة القميص الوطني، ومعاني ودلالات حمله والدفاع عنه، وأن يدرك اللاعب بشكل واضح وثابت، وعن قناعة والتزام، أن الموقع الذي يشغله والصفة التي يحملها، تضعانه في درجة أدنى من مؤسسة الجامعة، ومن المدرب.
من المهم الإجابة عن هذه الأسئلة، من أجل رسم خارطة الطريق، ووضع قطيعة نهائية مع مرحلة من الإفلاس عمرت طويلا، وحكمت على مواهب وطاقات محلية صاعدة بالتيه والضياع، وتسببت في إهدار أموال ضخمة، لم نجن من ورائها إلا السراب.
اللاعب الذي يقع عليه الاختيار، ويكون متحمسا للعب باسم وطنه، وملتزما بميثاق الانتماء إليه، لابد أن تقربه مؤسسة الجامعة من تاريخ منتخبه الوطني، ومن أبرز الفترات في مسيرته، والأسماء التي لعبت في صفوفه، والمدربين الذين تعاقبوا عليه.
فمسؤولية الجامعة لا تنحصر فقط في توفير الظروف المريحة ماديا ومعنويا للاعبي المنتخب الأول، وإنما في تلقينهم دروسا في التاريخ ليفهموا ويستوعبوا الكثير من الحقائق والمعاني، وليعرفوا أن علاقتهم بالجامعة هي في واقع الأمر علاقة بالوطن، يحكمها وينظمها ميثاق تعاقدي من المشاعر والتقدير ونكران الذات والاعتزاز بقيمة الانتماء إلى الوطن.
لذلك، فمن لا يعرف تاريخ منتخبه، لا يمكن أن يكون عنصرا فعالا في تقديم الدروس المفيدة لمن معه وفي محيطه، وعنصرا جديرا بالاقتداء.
الجامعة التي تريد أن تبني للمستقبل، لا يمكنها أن تلتزم الصمت ولا تحرك ساكنا عندما اقترف عميد المنتخب الوطني المهدي بنعطية خطيئة لا تغتفر، في مونديال روسيا 2018، وذلك مباشرة بعد نهاية مباراة المغرب ضد البرتغال لمصلحة زملاء كريستيانو رونالدو بهدف لصفر، وادلائه بتصريح صحافي يهاجم فيه من سماهم ب"الكراكيز" في المحيط القريب جدا من المنتخب!.
هذا الصمت المريب، لم يكن على الإطلاق موقفا صائبا، لأن المسؤولية كانت تقتضي مجالسة "العميد" والاستماع إليه، واتخاذ قرار الابعاد في حقه، اذا كان الهدف هو حماية المنتخب من كل أشكال الفتنة والعبث، وترسيخ معاني الانضباط والاحترام في صفوف مكوناته.
ونستطيع ان نؤكد على أن خسارة القيم داخل المنتخب أسوأ وأخطر بكثير من خسارة نتيجة رياضية.
لقد تابع العالم كيف اتخذ الاتحاد الإسباني لكرة القدم، قرار إقالة مدرب المنتخب جولين لوبتيغي قبل أيام قليلة على بداية مونديال 2018، عقابا له على توصله بشكل رسمي إلى اتفاق مع ريال مدريد للإشراف عليه بعد نهاية مشاركة إسبانيا في المونديال.
وقرار من هذا القبيل أصعب من حيث تداعياته وتبعاته، من قرار طرد لاعب أدلى بتصريحات متهورة ومهينة لسمعة بلده، بعد الاقصاء المبكر من منافسات الدور الأول لكأس العالم، ومع ذلك امتلك الاتحاد الإسباني الشجاعة لاتخاذ ما تفرضه عليه التزاماته وثوابته القانونية والأخلاقية تجاه الحاضر والمستقبل، وليكون القرار عبرة للتاريخ.
البناء والتخطيط للمستقبل، لا يقبلان بكل أصناف التمرد و"السيبة" والتعسف، والمنتخب يجب أن يكون مرآة لحسن السلوك وتقدير المسؤولية، وأن تدار شؤونه بحزم وتبصر وعقلانية، وأن يدرك المدرب أنه مطالب بإنجاز عمله الميداني بشغف وطموح، وأن تكون اختياراته منصفة وواقعية، وبعيدة كل البعد عن مظاهر الإقصاء والأحكام والمواقف الجاهزة.
سؤال: ماذا نريد من المنتخب؟، يقود إلى مزيد من الأسئلة الهامة والحيوية: ماذا نريد من البطولة الوطنية، وماذا نريد من "الأندية"، ومن تنافسها على الصعيد الإفريقي، وصراعها باستماتة على الفوز بالألقاب؟؟!!.
اذا كان شرط الاستحقاق والأهلية ركيزة أساسية في اختيار من هو جدير بحمل القميص الوطني، فلنا أن نتساءل باستغراب عن الأسباب التي تجعل من فرق كالوداد والرجاء ونهضة بركان وحسنية أكادير، غير قادرة على منح خمسة لاعبين أساسيين للمنتخب الوطني، على أقل تقدير؟!.
كفى من الاختيارات العشوائية ومن العبث بالمصالح العليا لكرة القدم الوطنية، ومن ترسيخ توجهات سلبية في البذخ والتبذير، تعمق مظاهر المشاكسة والتمرد والعجرفة، وتتسبب في اختلال موازين المسؤولية، لتجعل من سلطة المدرب أكبر من سلطة الجامعة، ومن سلطة اللاعب أكبر منهما جميعا؟!.