بقلم- محمد بلعودي
نقل لنا الزملاء الصحافيون، وجزء من الجماهير المغربية الغفيرة التيسافرت إلى روسيا، صورا رائعة عن هذا البلد. حكوا لنا عن أناسه، عن نسائهورجاله، عن حدائقه وشوارعه، عن بنيانه وبنياته، عن ثقافته وحضارته، عنأمنه وأمانه، عن نقائه وطبيعة عيشه، حكوا لنا عن طيبوبة أهله وحرصهم، بلتهافتهم على خدمة الأجانب، وتقاسم السعادة، حكوا لنا مشكورين عن كل ذلك،وما يزيد، بل لا يزال زملينا يونس الخراشي، ينقل لنا صورا وجوانب عن حياةالروس، لم تلتقطها عدسات كاميرات القنوات العالمية التي حضرت لتغطية
المونديال.
ولاندهاشي لما سمعت وقرأت، تخيلت أن المونديال نظم في المغرب، وتساءلتماذا سيحكي عنا حينها البرازيلون، والسويديون، والبرتغاليون، وإن حدثوتأهل اليابانيون، والروس، والكرواتيون، والدنماركيون إلى كأس العالم،وغيرهم من المنتخبات التي سيحل جمهورها ضيفا عزيزا علينا.ما الذي سيشد انتباه الجماهير والإعلاميين الأجانب؟ وأي صورة سينقلونهاإلى بلدانهم؟ وماذا سيكتبون عنا؟ بل ما الذي سنفتخر به أمامهم؟ستحل الجماهير أفواجا إلى المغرب، لتكتشف بلدا من عالم آخر غير الذييعيشون فيه. لا شيء هنا بدون مقابل. ستبدأ معاناتهم ويا للأسف من الوهلةالأولى التي تطأ فيها القدمان أرض المغرب، سيقضون الساعة وما يزيد لإنهاءإجراءات المطار الإدارية، وهم من اعتادوا على قضائها في ظرف وجيز وفي
أفضل الظروف.
دعونا من أمر المطار.. فقد نجد لهذا المشكل مبررا، فنحن الدولة الوحيدةالتي تنعم بالاستقرار في ظل الربيع العربي، "ويا له من استقرار"، وخوفاعلى مغربنا نشدد الإجراءات، وبهذا نكون قد امتصصنا غضب الزوار، ولكن ماالذي سنبرر به، أو ما الذي ستحكيه جماهير المنتخبات وإعلامها، عن ملاعبنا، وبنياتنا (شوارعنا، وطرقاتنا، ومواصلاتنا)، وعن أمننا، وعن مستشفياتنا؟ بل ما ماذا عن انتهازيتنا، وكيف سنحمي الروسيات، والبرازيليات، والصربيات، من تحرش شبابنا، ومن سرقة هواتفهم المحمولة،وحقائبهم؟
عندما يسألوننا نحن الإعلاميين عن تعليمنا كيف لنا أن نجيبهم؟ عن عدد جامعاتنا وما تنتجه من أطر؟ ما الذي سنقول لهم عندما يسألوننا عن ثقافتنا وعن لغتنا؟ هل نقول لهم إن لغتنا لغة الوحي والقرآن؟ لكننا شعب مفرنس..وماذا عن حقوق الإنسان؟ أين أجوبتنا عنها.
لنترك هذا جانبا.. ولنا أن نتساءل كيف ستتنقل هذه الأعداد الهائلة منالجماهير من وإلى الملاعب، أين "الميترو"، أم سيركبون "بحال خوتهم لمغاربة" طاكسيات من الحجم الكبير، بعدد 6 أشخاص في السيارة، أما حالحافلاتنا فلا حديث عنها، وبم سنبرر لهم الفوضى العارمة في الطرقات،وإفراطنا في استعمال منبهات السيارات، هل نقول لهم إننا في تداريب يوميةللمشاركة في سباق للسيارات، أما أن علموا أن طرقاتنا تقتل أكثر من كلطرقات العالم، فتلك طامة عظمى.
بالله عليكم.. أين مستشفياتنا، ومصحاتنا، زميل صحفي أصيب في معصم يده، أمضى ليلة في مصحة من "خمس نجوم" في روسيا "واكل.. شارب.. مدوش.. وكلشيفابور"، وطاقم طبي رفيع المستوى يعتني به، والابتسامة لا تفارق وجوهالممرضات، لدرجة "متسخاش تخرج"، ماذا لا قدر الله إن أصيب مشجع أو مشجعةأو مسؤول أجنبي، أو إعلامي، سيعيش ساعة إن لم نقل ساعات في الحجيم، بينسيارة إسعاف قد تأتي أو لا تأتي، دون الحديث عن حالتها، وبعدها سيبدأسيناريو "سير تتخلص عاد تشوف الطبيب"، هذا إن وجد الطبيب أصلا لفحصه، أما"إلا جا زهرو فشي طبيب نيت"، نسأل الله له المغفرة وحسن الخاتمة.
روسيا بالمونديال غيرت نظرة العالم إليها، وقدمت أوراق اعتمادها كأفضل الدول الأوروبية، ونحن بالمونديال قد نغير بدورنا من نظرة العالم إلينا..وقد يقف الإعلاميون، والجماهير على حقيقة مرارة عيشنا، وفقرنا، وهشاشة بنياتنا، وضعف تعليمنا، وصحتنا، واقتصادنا، وتخلينا عن حضارتنا، وبعدناعن ديننا، وظلم حكومتنا.
رجاء لا تقتلوا فينا حب وطننا.. دعونا نفتخر أننا ننتمي إلى بلد الرجال عبد الكريم الخطابي، ومختار السوسي، وعلال الفاسي، بلد صلاح الدين بصير،ونور الدين النيبت، وبادو الزاكي، ومحمد التيمومي، بلد نزهة بدوان، ونوالالتوكل، وسعيد عويطة، وهشام الكروج، بلد العلماء والعقول الذكية التيفضلت هجرة بلدها لوضع خبراتها رهن إشارة من يقدرها.. وإلى ذلكم الحين فيأمان الله.