بقلم: محمد فؤاد
آلمني ما وصل إلي من معلومات وصور تدمع العين وتقشعر لها الأبدان ويحزن لها القلب عن حال المدرب الأسطوري بمدينة سلا العربي شيشا صاحب أمتع وأعظم الملاحم الكروية التي سطرها مع نجوم الجمعية السلاوية في الثمانينيات بدرجة أقوى مدرب مر بتاريخ الفريق واعتبر في نظر كل السلاويين وقتها إلى اليوم الرجل الذي لا يصلح لأي فريق سوى الجمعية السلاوية، وعندما اعتزل الرجل مساره التقني قبل سنوات شبه طويلة أكلت من عمره وصحته، ظل وفيا للمكان والزمان بسلا وكأنها مسقطه الأصلي اعترافا بالتاريخ الذي منحه تأشيرة المدرب الحكيم والرجل الذي يثور على كل الدقائق ويقسو على حنجرته ويسيل ريقه عنوة حبا لما صنعه أسبوعيا من الجيل الذي لم تجد به كل الأزمنة إلى اليوم من قيمة رعيل دوليي زمان، ولغاية الأسف حتى من جيل التسعينيات حتى لا أكون قاسيا في تعداد كل الأسماء وأنسى بعضها، ولكن هذه الحقيقة التاريخية أضحت صادمة اليوم وملفوفة في ثوب أسود، ويكتبها واقع حال الرجل في جناح معزول يكتري فيه منزلا لا يجد من يسدد أجره الشهري ويستحيل أن يستلذ بلقمة العيش اليومية ويصوم تلقائيا لأن كرامته الشخصية لا تبيح له مد يده للتسول، كما يستحيل على الرجل أن يقاوم الشيخوخة وتخونه الصحة لتنظيف الحاجة، ولغاية الأسف لا يملك الرجل في شق الرأفة عائلة تقاوم تيار عزلة الرجل ولا يجد من يعيله في زمن يدعو فيه الرجل موته السريع على أن يعيش على هذا الذل، ولكنه يجد قلة من رجال الكرة الذين أعرفهم ولا أريد أن أذكرهم حتى يجعل الله حسناتهم وإحسانهم وبرهم ووقوفهم الإنساني في الميزان المقبول عند الله، ومع ذلك لا يمكن لثلة من الناس أن يقاوموا بمالهم ووقتهم وصحتهم رغم قساوة الحياة أن يتعايشوا مع هذه الصدمة اليومية من دون أن يكون للرجالات الذين صنعهم العربي شيشا من الدوليين وكل الأسماء علاوة على مسؤولي ورجال التسيير في كل زمن تعايش معهم شيشا دور إنساني وتضامني واعتراف ضمني لإخراج الرجل من ورطة الفقر والإهمال حتى يعيش بكرامة الإنسان والإنسان إلى آخر رمق من عمره.
ويحز في نفسي أن تصل قساوة الزمن إلى البحث عن سبل الإنقاذ من الرجالات الأربع الذين يقاومون معه تيار صراع الحياة اليومية ويتوصلوا في نهاية المطاف إلى التفكير في وضع الرجل بدار العجزة كحل آمن يجد فيه حلاوة نهاية العمر، ونحن نعرف جيدا ما معنى أن تضع رجلا مسنا أو مسنة في دار العجزة إلا إذا كان بدون عائل، وهذه الصفة موجودة في العربي شيشا لأنه يعيش وحيدا وليست له زوجة ولا أولاد ولا أي كان من الأقرباء.
حقا أبكاني هذا الشكل من الحالات الميؤوس منها، وآلمني أن يصل العربي شيشا إلى هذا الوضع من دون أن يكون لرياضيي سلا نبرة سؤال وعون وتضامن ورحمة بالرجل، وما أكثر مآسي الكرة عندما تجد أمثال العربي شيشا في كل مكان من خريطة المغرب وأمثال الكثير من دوليي الكرة بعضهم رحل بغصة الحرقة وبعضهم يتجرع مرارة التسول وبعضهم يموت تدريجيا على أن يمد يده للناس كرامة لنفسه وشخصيته، وبعضهم اختفوا بمدن أخرى بحثا عن لقمة العيش بكل الطرق النبيلة حتى ولو كان ذلك عن طريق الصدقة.
حقا لا أريد أن أغوص في دراما الكرة وما تدفع به الكثير من اللاعبين والمدربين إلى العطالة بدون مورد ولا تقاعد ولا تغطية اجتماعية ووو، ولكني أقولها صراحة من الواجب علينا أن نعري الحقائق الصادمة ونقر بأن المسكوت عنه يعتبر جريمة إنسانية، ولا يمكن أن نتحدث عن مدرب ولاعب ومسير أيا كانت مآسيه على أنه يعيش بسلام وامن غذائي، ولكن حقيقة هؤلاء موجودة في كل مدينة مغربية وليس بسلا فحسب ، ولكني آثرت أن أتحدث عن العربي شيشا لأنه هرم تقني بسلا ورجل قدم وأعطى الكثير دون مكافأة تاريخية من رجالات سلا ودون أن يدق عليه أبناؤه الحقيقيون من رواد الرقعة ولا حتى من صناع قرار من أسموا بجعل ملف كرامة وتكريم الرواد وفق صندوق مالي خاص لإنقاذ حياتهم من الحرمان والبؤس.
أملي أن يصل هذا الخطاب لكل معني بسلا وبأي مدينة حتى يدرك الكل أن مثل من يعيش في بذخ الكرة والإمتيازات عليه أن يكون محسنا لأخيه الرياضي، ومن له فيلا فاخرة ورصيد بنكي كبير وشركات وأسهم وغيرها من رفاهية الكرة أن يكون معيلا أصليا لفاقدي النعمة، ومن عاش في النعمة، عليه أن يدرك كل الإدراك كيف يعيش من لا لقمة له، والعربي شيشا هو فقير بكل الأوصاف ولا يجد درهما لشراء خبزة إلا أن عزة نفسه هي شرف الرجال.
والفاهم يفهم.