ديشان يوم ينفعك الريكبي

ديشان.. يوم ينفعك الريكبي

المغرب اليوم -

ديشان يوم ينفعك الريكبي

بقلم- يونس الخراشي

لاعب الريكبي مهاجم أصيل، غير أن هجومه يقوم على تكتل دفاعي هو الأصل. وهذا ما يفسر إلى حد بعيد فكر الفرنسي ديديي ديشان، الذي بدأ مساره الرياضي برياضة الريكبي، وما أن واتته الفرصة كي يصبح مدربا لكرة القدم، حتى استعاد منطلق اللعبة الأم، وطبقها في ملعب آخر. النتيجة النهائية هي الفوز بكأس العالم 2018، بفريق يملك نجاعة هجومية وحصانة دفاعية. لا للفرجة، نعم للفرحة.

لا ينسى ديديي ديشان، الباسكي المولد والنشأة، أنه لعب الريكبي في بداياته بمدينة بايون جنوبا. ويقول مرارا إنه لم يكن ليتردد في الذهاب إلى ملعب الريكبي حين يتعين عليه الاختيار بين مباراة متوسطة في كرة القدم وأخرى جيدة في لعبته الأم. ويساعده على ذلك أن الرياضة الأحب إلى قلبه هي الأكثر شعبية في فرنسا، وملاعبها تقدم فرجة لا تضاهى ولا تقاوم إطلاقا.
ومع ذلك، فديشان، المولود بتاريخ 15 أكتوبر 1968، سرعان ما سيختار كرة القدم لمساره الرياضي. بل وسيختار فريقا ينتج لاعبين لديهم مستقبل أحسن (أفيران بايوني). فرغم أنه جرب السباحة، والعدو الريفي (سباق الضاحية)، وكرة اليد، والريكبي، الذي ظل عشقه الأبدي، وصار بطلا مدرسيا في سباق 1000 متر، إلا أنه فضل كرة القدم. وسرعان ما صار لاعبا جيدا، ومطلوبا.

وعندما فازت فرنسا بكأس العالم لسنة 1998 كان قطب الرحى في المنتخب الفرنسي هو ديديي ديشان. ومع ذلك، فالكاميرات ركزت على ثلاثة أسماء بالخصوص؛ زين الدين زيدان، صاحب رأسيتي النهائي، وميشال بلان، الذي كان دؤوبا على تقبيل صلعة الحارس فابيان بارتيز، وإيمي جاكي، الذي ظل الإعلام الفرنسي يسلخ جلده إلى النفس الأخير. وحين انتهى كل شيء بسلام، قال جاكي:"لن أغفر للذين انتقدوني دون أي وازع أخلاقي". أما ديشان، فلم ينتبه إليه إلا قليلون.

بين ذلك العهد البعيد والفوز بكأس العالم، كان لا بد أن يمر ديديي ديشان من امتحانات عسيرة جدا كي يصبح أول من يحمل الكأس في تاريخ "الإيكزاكون". فقد لعب الباسكي العنيد لكل من إف سي نانت، ثم أولمبيك مارسيليا، وبوردو، قبل أن ينتقل إلى جوفنتوس الإيطالي، ومنه إلى شيلسي الإنجليزي، منهيا مساره الكروي من إسبانيا، مع إف سي فلانسيا، بمجموع 562 مباراة كان وزنها واضحا على مؤداه مع المنتخب الوطني الفرنسي.

ولأنه ميال، بالطفولة، إلى الدفاع أكثر منه إلى الهجوم، فإن ديدي ديشان تعلم من جوفنتوس الإيطالي، بقيادة "المعلم" مارتشيلو ليبي، أكثر مما تعلم من غيره من الفرق التي حمل قميصها. فقد رسخ لديه الإيطاليون، أهل الحرفة الدفاعية بامتياز، خلفية "الريكبي" المتأصلة في عقله، وطوروا لياقته البدنية، وجعلوا منه، في آن واحد، مستخلصا بارعا وسقاء ناجعا. وكان المستفيد الأكبر في تلك المرحة هو الفنان زين الدين زيدان. وظل هو المستفيد حتى في ما بعد. أما ديشان، فكان مثل أي رجل ظل، يتعب لأجل غيره.

لعب ديشان للمنتخب الفرنسي منذ صباه، إذ التحق بصفوف الشباب قبل 1988. أما وهو يصل إلى منتخب الكبار، فقد نفعه عبوره من جوفنتوس الإيطالي كثيرا. ذلك أن مدربيه، وعلى الخصوص، إيمي جاكي، عرفوا كيف يستثمروا تلك القوة الضاربة، المتمثلة في حسن الاستخلاص وبراعة التوزيع، ليتيحوا الفرص لكل من زيدان وجوركاييف وتييري هنري وتريزغيه، وآخرين، ليحرزوا الأهداف، ويصعدوا بمنتخب فرنسا إلى قمة القمم، سواء في مونديال فرنسا 1998، أو كأس أوروبا إنجلترا 2000.

حينها قال إيمي جاكي كلمات لا تنسى في حق ديشان، إذ نقل عنه قوله إن هذا اللاعب لا يعرف قدره إلا حين يغيب. وزاد موضحا:"فسواء تعلق الأمر بالتمركز أو القيادة الشفهية، ديديي أساسي للغاية"، وجاء رد اللاعب ليؤكد أنه قائد فعلي، وإن كان رجل ظل في المنتخب الفرنسي، وهو يقول:"لطالما زارني إيمي في تورينو، ليناقش معي. وفي كل زيارة كان يزيد المسؤوليات التي على عاقتي ثقلا". يفيد ذلك إلى أي حد كان القرار في قيادة الديكة يعود إلى ديشان، حتى وهو مجرد لاعب، ليس إلا.

وكان طبيعيا جدا أن يصبح ديشان مدربا يوما ما، حتى وهو القائل في بداية مساره إنه لن يحترف الرياضة. فقد ذاق حلاوة الفوز، وسحر الفرجة، ولذة إسعاد الناس. وقبل التحدي. كانت البداية من فريق موناكو، الذي دربه بين 2001 و2005. وهناك طبق جملة من تلك الأشياء التي تعلمها لاعبا وتلميذا؛ إذ كان اللاعب الصبور يزاوج بين التمرن والتمدرس. وساعده على ذلك وجود قائد فذ، هو إيمي جاكي. رجل آمن دائما بأن التكوين والتكوين المستمر هما السكتان اللتان يمضي عليهما قطار أي لاعب ناجح. أحدهما ملازم للثاني، ودون أي منهما لا يتحرك القطار، فأحرى أن يصل إلى غايته.

لم يكن مسار ديشان مع الديكة عاديا ولا سهلا. فقد تعرض للكثير من الانتقادات. بعضهم انتقد اختياراته، وقال إنها لن تفضي إلى شيء. والبعض الآخر انتقد طريقته في اللعب، وقال إنها طريقة مستهلكة وانتهى زمنها. وبعضهم انتقد طريقته في التعاطي مع اللاعبين، وقال إن هذا ليس مدربا بقدر ما هو مستبد صغير، سيهلك الحرث والنسل. وبعضهم انتقد حتى تميزه في كأس العالم 2018، وقال إنه لم يكن موفقا بقدر ما كان لاعبوه ناجعين.

وبين انتقاد وآخر، كان ديشان يركز، كأي لاعب للريكبي، على الدفاع المتكتل من جهة، ومن أخرى على الهجمات المضادة السريعة والنافذة. وكان أيضا يركز على رجوع الكرة إلى الخلف، حرصا على منطقته الدفاعية، واستثمار الهجمات السريعة الخاطفة لإحراز الهدف. وإذا هو يستثمر النجم الأوحد في فريقه؛ الفريق نفسه. فلم يعول القائد على لاعب دون غيره، أو نجم واحد أوحد مثير، يستهلك وقته في الصور، والإعلانات، بقدر ما وضع ثقته في مجموعة ملتحمة، ومتحدة، ويسند بعضها بعضا، حتى ليبدو لك أن الأمر يتعلق بلاعب واحد يتحرك بين كل الخطوط، واسمه منتخب فرنسا.

وإذا بالقائد الجديد يتقدم شيئا فشيئا نحو الأمام. يفاجئ منتقديه كل مباراة بنقط الفوز، وبالعبور نحو الدور الموالي. وفي الأخير، كانت المفاجأة الأم. ديشان، الصموت، والبيتوتي، الذي ينتهي من الكرة وشأنها حين يغلق عليه باب البيت مع زوجته كلود وولده ديلان، بطلا لمونديال روسيا 2018. تخيلوا، لاعب ريكبي، لم يكن شيئا مذكورا إزاء زيدان وجوركاييف وجينولا وتيرام وبارتيز والنجوم الآخرين، يصبح بطلا عالميا.
 يا للكرة العجيبة!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديشان يوم ينفعك الريكبي ديشان يوم ينفعك الريكبي



GMT 13:19 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"خوكم بدون عمل"

GMT 20:05 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فاقد الشيء لا يعطيه

GMT 20:48 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إدمان التغيير

GMT 20:16 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طاليب والحلوى المسمومة

GMT 12:48 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

"الكان" في المغرب

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الأسد

GMT 10:35 2016 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة حول "أطفال الشوارع" في مركز "عدالة ومساندة" الأحد

GMT 19:42 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

باتشوكا المكسيكي يقصي الوداد من كأس العالم للأندية

GMT 20:05 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

إيسكو يلعب عددًا بسيطًا من المباريات مع ريال مدريد

GMT 04:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عطيل عويج يُبيّن سبب تعاقده مع فريق الفتح المغربي

GMT 03:00 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستقبل العام الجديد 2016

GMT 07:25 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عصابة مدججة بالسيوف تحاول اغتصاب فتاة وسط الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya