بقلم: جمال اسطيفي
بعودة الرجاء إلى دائرة التتويج القاري بعد غياب دام 15 سنة، وهي مدة طويلة، فإن الرجاء أكد أنه لا يمكن أن يصيبه الانهيار، وأنه سيظل واقفا شامخا، وسيعود إلى مكانه الطبيعي، لذلك، فلقب "الكاف" الذي أحرزه الفريق مهم جدا، ليس لقيمته المالية، فقد سبق للرجاء أن أحرز ألقابا أغلى من "الكاف" وأهمها دوري الأبطال الذي توج به ثلاث مرات ولعب نهايته مرة رابعة دون أن يفوز به، مثلما سبق له أن شارك في كأس العالم للأندية مرتين، بل ووصل النهائي في دورة 2013 التي جرت بالمغرب، عندما قارع الكبار ووجد نفسه وجها لوجه أمام بايرن ميونيخ الألماني، لكن لقب "الكاف" مهم لأن له أثر معنوي كبير على الرجاء وجمهوره وسيبعث أجواء الثقة، وسيمنح الدافع للجميع للعمل ومواصلة الارتقاء.
لقد مر الرجاء بأزمات صعبة، وكانت أصعب أزمة مر بها في تاريخه هي التي عاشها في السنوات الأخيرة، عندما وجد نفسه زبونا وفيا للجان النزاعات في الجامعة و"الفيفا" و"الطاس"، وعندما لم يعد قادرا على سداد مستحقات لاعبيه، وممونيه، ولم يتنفس إلا بعد تدخل من الدولة.
لكن الفريق واصل الصمود، وشكل جمهوره الحصن الواقي له، فقد كان يضخ الأمل في نفوس كل المكونات، ويفتح باب الأمل، ويجعل المستحيل ممكنا.
كان أحد أهم القرارات التي اتخذت داخل الرجاء هو التعاقد مع المدرب الإسباني خوان كارلوس غاريدو، فقد ساهم هذا المدرب في إحداث حالة من الهدوء داخل الفريق، ذلك أن الرجاء انتقل من مرحلة المدرب امحمد فاخر الذي كان يقدم نفسه على أنه أكبر من مدرب ويحشر أنفه في شؤون التسيير، ويساهم بوعي أو دونه في التشويش على الفريق، إلى مرحلة مدرب يقوم بعمله الذي قد يصيب فيه وقد يخطئ، لكن دون أن يتجاوز اختصاصه، وهو ما منح الفريق لقبا مهما لكأس العرش، وحضورا موفقا في مسابقة "الكاف"، التي ظل الفريق يتقدم فيها إلى أن بلغ النهاية وتوج باللقب.
حسنا أيضا فعل المكتب المسير الحالي الذي أبقى على المدرب، ولم يعر اهتماما لكل الكلام الذي كان يتردد هنا وهناك ويطالب بالانفصال عنه.
لقد ساهم هذا المدرب أيضا في التخفيف من أعباء الرجاء المالية، وقد كان جريئا وشجاعا وهو يدفع بلاعبين في مقتبل العمر، وليسوا معروفين في مباريات "الكاف"، بل لم يحدث قط أن أدلى بأي تصريح يطالب فيه بتعاقدات جديدة، فكل شيء كان يمر بينه وبين الإدارة التقنية للرجاء والمكتب المسير بهدوء.
اليوم يحتاج الرجاء إلى أن يستثمر في نجاحه على نحو أمثل، علما أن الفريق سيعيش وضعا صعبا في المرحلة المقبلة، إذ ستتعاقب عليه المباريات المؤجلة، وسيجد نفسه ملزما بالدفاع عن لقب "الكاف"، مثلما سيكون عليه أن يدافع عن حظوظه في البطولة العربية، بالإضافة إلى كأس السوبر حيث سيواجه الترجي التونسي في مباراة عاصفة ستقام على الأرجح بالدوحة.
هذا الوضع يقتضي تعزيزا للصفوف، فلائحة الفريق الحالية ليست كافية، لكن التعاقدات يجب أن تكون محسوبة، وهو أمر ليس غريبا على الإدارة التقنية للرجاء التي يقودها فتحي جمال الذي يملك عينا ثاقبة.
أما على المستوى المالي، فلاشك أن الرجاء سينتعش كثيرا، مما سيعطيه الفرصة لإعادة البناء على أسس صلبة.
هذه هي الفرق الجماهيرية تمرض ولا تموت، قد تتعطل مسيرتها بسبب أزمات، لكنها تعود أكثر قوة عندما يكون أسلوب التسيير مختلفا وفيه رؤية وفكر واستراتيجية واحترام للتخصصات، وابتعاد عن الأهواء والانفعالات.