صبرا وداد الأمة

صبرا وداد الأمة..

المغرب اليوم -

صبرا وداد الأمة

بقلم: يونس مسكين

كثيرة هي الأحداث والوقائع التي تدخل سجل التاريخ، لكن هذا الدخول لا يكون دائما من الأبواب الكبرى أو المضاءة، بل قد يحدث أن تخلّد بعض الوقائع بعد عبورها الأبواب الضيقة والمظلمة، كما كان الحال مع مباراة فريق الوداد البيضاوي ضد نادي الترجي التونسي ليلة الجمعة الماضية.

ليس لاختيار الموضوع هنا أي علاقة بالرياضة، وإلا لكنت تركته لأصحاب الشأن والمختصين، بل لأن كرة القدم ضرب من ضروب القوة الناعمة في العصر الحالي، وفي دروبها تلتقي التجارة بالسياسة، والتاريخ بالجغرافيا، والدبلوماسية بالاستخبارات…

ما سيسجّله التاريخ عن ليلة الجمعة إلى السبت الماضيين، ليس من رفع كأس التتويج ببطولة إفريقيا، أو تفاصيل البنود القانونية التي يدفع بها هذا الطرف أو ذاك، وليس هل ضيّع الوداد فرصة فوزه باللقب بامتناعه عن مواصلة المباراة، خاصة أنه أظهر في بداية الشوط الثاني من المقابلة قدرة واضحة على التسجيل. ما سيسجله التاريخ هو هذا الوقوف الشجاع في وجه الفساد، والإقدام على قلب الطاولة وفضح المستور، والتضحية بلقب كان يعدُ في خانة الممكن، وتحمّل التبعات الحتمية لقرار الإصرار على انتظار إصلاح «الفار».

يستدعي الخوض في هذا الموضوع تسجيل نقطة نظام مهمة أولا؛ لا داعي لأي خلط بين مهزلة «رادس» وبين تونس والتونسيين، لأن الفساد لا شعب له، والتونسيون هم أول ضحايا الفساد الرياضي واختطاف الألقاب التي تمارسها بعض الأندية التونسية التي تستعملها بعض الجهات واجهة لأنشطتها. وإليكم هذه القصة:

في أكتوبر من العام 2011، ونحن جميعا في عزّ الربيع العربي نتابع أزهاره المتناثرة شرقا وغربا، طلبت موعدا لاستجواب سفير تونس الجديد، أي سفير ثورة الياسمين الذي عيّن قبل نحو شهرين قبل ذلك. بعد حصولي على الموافقة وتحديد الموعد، رحت أبحث في مسار وتاريخ الرجل لكي أوسّع حواري معه إلى أكثر من الأحاديث المكررة في مثل هذه اللقاءات حول العلاقات الثنائية وواقعها وآفاقها…

أثناء البحث، اكتشفت أن السفير رافع بن عاشور، فضلا عن مساره الأكاديمي أستاذا للقانون الدستوري، له صيته العالمي في هذا المجال، كان رئيسا للجامعة التونسية لكرة القدم في الفترة التي جرت فيها المباراة الشهيرة للرجاء البيضاوي ضد نادي الترجي التونسي، عام 1999، والتي تميّزت بظلم كبير من جانب الحكم للفريق المغربي، لكن الرجاء تمكّن رغم ذلك من الفوز بالمباراة، ومعها بطولة إفريقيا، بعد وصول المواجهة إلى ضربات الترجيح.

في نهاية الحوار، فتحت مع الدبلوماسي التونسي موضوع الرياضة، وسألته مباشرة عن مباراة الرجاء والترجي التونسي الشهيرة. وبما أن الرجل كان منتميا إلى فريق النادي الإفريقي، الذي كان أكثر من مرة ضحية لظلم أندية النافذين في تونس بنعلي، فقد اندفع فورا مؤكدا إرشاء نادي الترجي الحكم يومها، وقال إن سليم شيبوب، قريب الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بنعلي، كان قد مارس بالفعل «جميع الوسائل» الممكنة لهزم فريق الرجاء.

نشرنا في «أخبار اليوم» حينها مادة إخبارية خاصة باعترافات السفير التونسي بالتآمر على فريق الرجاء البيضاوي، تصدّرت الصفحة الأولى، لتشتعل النيران حول السفير الذي اتصل غاضبا ومعاتبا لأننا «استدرجناه»، ولم يمنعه من تكذيبنا سوى نسخة رقمية من تسجيل الحوار بعثتها إليه عبر الإيميل، لكي يتأكد أننا لم نحرف أقواله.

إذا كانت الرجاء قد هزمت الفساد قبل عشرين سنة حين انتصرت على الترجي بالقتالية في اللعب، فإن الوداد حقّق الإنجاز نفسه بالكفّ عن اللعب في انتظار «الفار» الذي نُصبت شاشته التمويهية في الملعب كما لو كان موجودا. ومن حق المغاربة، إن لم يكن من واجبهم، أن يسائلوا الآن المسؤولين القائمين على الشأن الرياضي، أولهم رئيس الجامعة فوزي لقجع دون شك، لكن ليس وحده، فالكرة، كما قلت سابقا، أكثر من مجرد لعبة، هي انعكاس لسياسات عمومية ولجودة تدبير الشأن العام وطريقة استثمارها قوة ناعمة فعالة.

زرت العديد من الدول الإفريقية، كما ألتقي مرارا هنا في المغرب بعض الضيوف الآتين من قارتنا السمراء. ويمكنني أن أجزم دون تردد بأن أكبر سفير بعثه المغرب إلى دول إفريقيا في السنوات الأخيرة، هو اللاعب المعتزل مصطفى حجي، حيث يتردد اسمه كلما قدّمت نفسك في إفريقيا بصفتك مغربيا. أي أن الكرة تحقق للبلاد من النفاذ والإشعاع ما لا تحققه الحملات الترويجية والأسفار المكلفة والبعثات الدبلوماسية المكونة من أصحاب ربطات العنق.

أخشى ما أخشاه أن يكون هناك من بين مسؤولينا من استيقظ يوما وقرّر أن يقفز على سنوات الغياب الطويلة للمغرب عن المحافل الإفريقية، بما فيها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بالتعويل على أدوات لا تختلف كثيرا عما كنا ضحية له في السابق. وعوض أن نؤهل رياضتنا وفرقنا بمزيد من الاحتراف والتكوين، وتخريج نسخ أخرى من مصطفى حجي لنغزو القلوب الإفريقية بكثير من الجمالية، «شفنا الربيع ما شفنا الحافة».

فمنذ نحو عامين، حين جمعتني بالمغرب جلسة خاصة بأحد كبار مسؤولي كرة القدم في إفريقيا، وسمعت حديثه الصادم عن حق الأفارقة في معاملة بعضهم البعض وفقا لثقافتهم وخصوصيتهم، وترديده بكل جرأة أنه لا يمكن أن تلزمنا الفيفا أو الأوربيون بمنع الأفارقة من تبادل الهدايا باهظة الثمن بين الدول والاتحادات المحلية والمسؤولين القاريين، لأن «الثقافة الإفريقية مختلفة، وقيمة الهدية تعبّر عن قيمة صاحبها ومدى تقديره لمن يهديها إليه»، وأنا أشعر ببعض الانقباض كلما تابعت أخبار علاقتنا باتحاد أحمد أحمد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صبرا وداد الأمة صبرا وداد الأمة



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya