جنازة مدرب

جنازة مدرب

المغرب اليوم -

جنازة مدرب

بقلم - حسن البصري

يمو ت المدرب فيذكره رؤساء الفرق بالخير كباقي الأموات. يرحل إلى دار البقاء فيسأل زملاؤه عن آخر شهاداته في التدريب، ويسأل حفار القبور عن الراعي الرسمي للجنازة، ويسأل هواة السير خلف الجثامين عن أفراد أسرته، ويستفسر وكيل أعمال فقيه جنائزي عن عنوان البيت وموعد التأبين ومتعهد حفلات المأتم. 
المدرب كائن يموت ويحيا عشرات المرات، وينتهي به المطاف في مقهى يحتسي فيها قهوته السوداء، وهو يلعن تصنيفات «الكاف» وجحود اللاعبين، وجشع المسيرين ومكائد المدربين، وضعف ذاكرة الصحافيين.
في جنازة المدرب الوطني مصطفى مديح، حمل أقرب المقربين الجثمان بعدما أنهوا إجراءات الترخيص بالدفن، في بلد يجبرك على استخلاص شهادة الحياة والوفاة، وقد يطالبك يوما برسوم الموت قبل الآجال. 
يمضي المشيعون بالنعش الملفوف في كفنه نحو القبر، في جنازة رياضية تصورها الكاميرات، ثم بعد هذا يذكر اسم مدرب، قطع مع الراحل البث منذ زمان، في التلفزيونات بصفته صديق الفقيد، يلقي باللوم على الوزير ورئيس الجامعة ورئيس الفريق وعميد المنتخب وحفار القبور، ثم ينصرف نحو موقع إلكتروني آخر. 
هناك فرق بين الجنازات التي ترعاها الحكومات والجامعات والأندية، والجنازات غير المدعمة من طرف الدولة، التي تنشد فيها الجدات مواويل الرثاء  التي تكشف للحاضرين خبايا شخصية الفقيد ومناقبه و«تقطر الشمع» على خصومه.
قيل إن البكاء وراء الميت خسارة، لكن السكوت أيضا تواطؤ مع القتلة. لذا يفضل الكثيرون المنزلة بين المنزلتين، فيظهرون الانفعالات الزائدة في المقبرة ويصرفون النظر عن ليلة التأبين.
في الطريق الفاصلة بين شارع غاندي ومقبرة الرحمة، لم يهتم المارة بالميت بقدر ما لفت نظرهم مشهد حافلة الرجاء البيضاوي التي كانت تسير خلف الجثمان، ولأن الجنازة أعقبت إقصاء الرجاء من نهائي كأس العرش، فقد استغل الوداديون المشهد للسخرية من الرجاويين وتصوير الحافلة وهي تقف في باب المقبرة، ولكم أن تتخيلوا التعليقات الساخرة التي رافقت الموقف. 
وحين حل رئيس الوداد البيضاوي بالمقبرة سأله أشخاص يتعاطون الصحافة عن سر خسارة فريقه أمام الفريق البركاني، بينما تفادى حسبان الرجاء الأسئلة الملغومة وذكر حاملي الميكروفونات بحرمة المكان، أما المدربون الذين كان الفضل في ركوبهم صهوة التأطير للراحل، فقد ألهاهم التكاثر عن زيارة المقابر.
لا أعرف ما يمكن فعله في المسافات الفاصلة بين المسجد والمقبرة، غير تأمل سحنات الحاضرين، والسير إلى جانب مدربين تخلوا عن سخريتهم الدائمة من الموت، بينما شرع مدربو الجيل الجديد في تأريخ الحدث بـ«سيلفيات» وهم بالقرب من قبر الفقيد، وكتابة تدوينات ابتغاء نقرة «جيم» أو دعاء للراحل بالمغفرة والثواب، وعلى طول المسافة، تحدث كثيرون عن أسباب الرحيل وعن ضحايا السرطان، وطبعا لكل مشيع مع مصطفى حكاية، في نهاية الأمر كان الجميع يعزي الجميع، حتى بائع ماء الورد ادعى أنه لعب لفريق دربه مديح، أما الراسخون في الجنائز فاستفسروا عن البديل المنتظر للمرحوم.
انتهت مراسيم الدفن، وشرع المشيعون في السؤال عن نتائج المباريات التي أجريت مساء ذلك اليوم، وهم لا يميزون بين مقبرة واستوديو تحليلي. تفرق الجمع دون حضور حفل التأبين، فقد لف الخيام عزوف جماهيري غير مسبوق، وتبين أن واجب السير وراء الجنازة يغني عن التأبين، لذا كان المشهد أقرب إلى «الوي كلو». 
من أجل الكرة مات عدد كبير من الأبرياء، منهم من لقي حتفه في مدرجات الملاعب، ومنهم من قدم روحه قربانا لفريق يعشقه، ومنهم من يعيش اليوم بإعاقة دائمة، فقط لأنه حول الكرة إلى عقيدة. 
ودادية المدربين تحولت إلى ما يشبه ديوان المظالم، وأنشط قسم في مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، هو قسم مشتريات الأدوية والأمصال، وشهادات التدريب وعقود المدربين لا تمنح حاملها والمحمولة إليه تباشير التغطية الصحية، فالكرة اليوم كمأكولات الباعة المتجولين، «إلا ما قتلت تسمن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنازة مدرب جنازة مدرب



GMT 11:11 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

البيضي والعار والمجموعة الوطنية

GMT 15:48 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

إلي رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم

GMT 20:23 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

معلومات مهمة لعشاق رونار

GMT 10:49 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عطب إداري

GMT 10:45 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

صور روسيا 2018

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 21:40 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة الفنانة شادية إلى منزلها بعد استقرار حالتها الصحية

GMT 02:37 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

"عارضة الأزياء بيلا حديد تتظاهر من أجل "القدس

GMT 04:39 2016 الأحد ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المكسيكي غابرييل داو يصمِّمم "قوس قزح" بألوانه الزَّاهية

GMT 09:40 2016 الثلاثاء ,06 أيلول / سبتمبر

الذكرى 46 لرحيل الأب جيكو

GMT 16:24 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

خالد الصاوي ينعي رحيل الفنان مصطفى طلبه

GMT 01:47 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أطعمة تساعد على تحسين مزاجك وإحساسك بالراحة

GMT 01:43 2016 الإثنين ,15 آب / أغسطس

متي يمكن معرفة جنس الجنين بوضوح

GMT 23:56 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

عبد السلام وادو يحصل على شهادة مدير عام نادي رياضي

GMT 00:25 2014 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

9 مليارات درهم أرباح سوق الأضاحي في المغرب

GMT 02:03 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

شرطي متخفي يكتشف رصاص حي معروض للبيع في آسفي

GMT 01:23 2014 الإثنين ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة ميساء مغربي تخطف الأضواء مع رئيس الشيشان

GMT 22:54 2016 الثلاثاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أدوية حرق الدهون
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya