بقلم : جمال اسطيفي
ما إن بدأ يسود الاعتقاد أن أعمال الشغب في الملاعب المغربية قد انحسرت، حتى عادت لتطل من جديد، ومرة أخرى من ملعب مراكش الذي كان يحتضن مباراة الكوكب المراكشي والرجاء. وما حدث في ملعب مراكش مريع جدا، فقد قدم صورة سيئة عن المشهد الكروي في المغرب، وعن بلد يسعى بكل السبل لتنظيم مونديال 2026، ويراهن على تطوير بنيته التحتية، لكن ثمة الكثير من الأسئلة التي تطرح نفسها بحدة.
لماذا أصبح ملعب مراكش قبلة لأعمال الشغب، في مباريات ليس فيها الحد الأدنى من البهارات التي يمكن أن تتسبب في الشغب. لقد حدث ذلك في مباريات للكوكب المراكشي والرجاء والوداد، فهل هي صدفة أن يقع ذلك دائما في مراكش، وهل هي صدفة أن يتكرر نفس السيناريو دائما حتى أصبحنا نتابع ما يشبه الحرب الأهلية بين رجال أمن وجماهير، بل إن هناك مشاهد فيديو تظهر كيف أن هناك رجال أمن يتبادلون التراشق بالكراسي مع الجمهور.
هناك من يردد أن السبب في ما جرى على ملعب مراكش، وأوقف المباراة في شوطها الثاني، هو سعي رجال الأمن لانتزاع "الباش"، وهنا لابد أن نتساءل بكل عقلانية، إذا كان أفراد الألتراس قد نجحوا في إدخال الباش، ووضعه في المكان المخصص له، فما الداعي إذن ليدخل رجال الأمن في مواجهات مع الجماهير، كادت أن تتسبب في خسائر في الأرواح، وبماذا يمكن تفسير أن هناك ملاعب تستخدم فيها الجماهير "الباش"، وملاعب مازال رجال أمنها يرفعون "الفيتو" في وجهه.
وفي هذا الإطار يجب أن نسأل أيضا، عن أية خطورة شكلها هؤلاء الشباب الذين تشبثوا برفع "الباش" على الأمن العام؟ ومن سمح لهم في الأصل في إدخاله إلى الملعب؟ إن الشغب وإتلاف الممتلكات الخاصة والعامة مرفوض، ولا يمكن التساهل معه، لكن أيضا فإن الاستمرار في الزج بالشباب في السجون، أمر غير مقبول تماما. لننتبه إلى أن مهمة الأمن ليس إشهار "الزرواطة" فقط، وأن التدخل بعنف يسمح به القانون في حالات محددة، يؤطرها القانون.
وعلى فرض أن بين هؤلاء مشاغبون يشكلون خطرا، أو متورطون في أحداث سابقة، ألا يمنع القانون هؤلاء من ولوج الملعب، حيث يفترض أنهم يلزمون يوم المباراة منازلهم أو يثبتوا حضورهم في مقرات الأمن؟ إن ما حدث في مراكش يكشف كيف فشل رجال الأمن في تأمين مباراة عادية في كرة القدم، مباراة حضرها بضعة آلاف ولم تشهد أي احتكاك أومناوشات بين جمهور الفريقين. فهل بمثل هذه المقاربة الأمنية، سيمكن لرجال الأمن المساهمة في احتضان المغرب لمباريات تشهد حضورا غفيرا، وقد تعرف اصطدامات قوية بين الجماهير؟
الواقع أن أمن الملاعب، لا يجب أن يختصر في توزيع العشرات من رجال الأمن حول الملعب أو الطرق المؤدية إليه، أو في انتزاع "الباش" أو السماح برفعه، ولكن أمن الملاعب نظام احترافي، يتم التعامل معه كما يتم التعامل مع كل التظاهرات الحاشدة، سواء كانت وقفة احتجاجية أو سهرة فنية، أو مسيرة تضامنية، ولذلك فإنه بات أولى بوزارة الداخلية إعادة تدريب مسؤولي الأمن، تكوينا يساهم في الحد من أحداث الشغب، والبداية من أمنيي مراكش الذين أثبتوا بالدليل القاطع أنهم جاؤوا من كوكب آخر.