متى كان الفوسفاط تركة للحزب الحاكم

متى كان الفوسفاط تركة للحزب الحاكم؟

المغرب اليوم -

متى كان الفوسفاط تركة للحزب الحاكم

عبد الرحيم أريري

رغم أن الدستور حسم اختصاص كل سلطة وأطر العلاقة بين السلط بعضها ببعض، إلا أن ذلك لم يشف غليل المتسلطين الذين يريدون تحويل المغرب إلى ضيعة محفظة باسم الحزب الحاكم. فبعد التحرش ضد الولاة والعمال، وبعد "تقطير الشمع" ضد المؤسسات الأمنية، جاء الدور على المؤسسات الإستراتيجية التي صار عدد من قادة الحزب الحاكم يوجهون راجماتهم نحوها في أفق بسط نفوذهم عليها، خاصة صوب المجمع الشريف للفوسفاط، تارة باللمز وتارة بالغمز. وتناسوا أن قطاع الفوسفاط ملك للمغاربة ككل وليس تركة لحزب سياسي لتغذية أرصدته أو توسيع أنصاره أو تمويل حملاته وأنشطته.

فالمغرب الحديث (أي منذ فرض الحماية) تشكلت اقتصادياته كلها حول الفوسفاط، لدرجة أن مداخيل هذا القطاع تمثل ثلث عائدات البلاد من العملة الصعبة، هذا دون الحديث عن لعبه الدور المحوري في الدورة الاقتصادية ككل.

فحتى الخط السككي الأول بالمغرب لما وضع لنقل الفيالق العسكرية الفرنسية عام 1913-1912 لإخماد ثورات وادي زم، سرعان ما تحول إلى خط حصري للفوسفاط بعد اكتشاف الفوسفاط، وثم إكمال الطريق بين الدار البيضاء وقصبة تادلة على خاصرة جبال الأطلس.

وعمليا بدأنا نلاحظ تفكيكا منهجيا بطيئا للبنيات السوسسيو-مجالية التقليدية بالمغرب. إذ لتكوين حوض منجمي يتعين نسف الإطار القبلي الذي كان يمثل عرقلة كبرى في المجال العقاري. فالشروع في نزع ملكية الأراضي لاستغلالها في الفوسفاط دفع إلى إقرار شفافية عقارية، من هنا صار آنذاك لزاما خلق محافظة عقارية، وهو ما تم يوم 12 غشت 1913. فتم بفضل الفوسفاط التأريخ منذ ذاك اليوم لظهور الملكية الفردية. التسجيل في المحافظة العقارية انطلق في الأول ليشمل البنايات وما يحيط بها، مما استدعى تفكيك الملكيات العقارية فبدأت بوادر عمليات البيع والقروض.

لكن حل مشكل العقار لم ينه الأزمة، إذ كان لابد من حل مشكل الكهرباء، خاصة وأن مناجم الفوسفاط تحتاج لطاقة كبرى، فتم خلق شركة الطاقة الكهربائية بالمغرب التي أحدثت معملا حراريا بالبيضاء ومعملا كهرومائيا بأولاد معاشو لنقل الكهرباء إلى خريبكة.

مشكل ثالث برز، ألا وهو اليد العاملة اللازمة لاستغلال مناجم الفوسفاط. ففي البدء تم اللجوء للرحل للقيام بأعمال إزالة الردم، لكن ظهر أن البدو الرحل آنذاك غير متحمسين، فتم إحداث سجن بولعوان لاستقبال السجناء لتقليص كلفة الاستغلال والمردودية، قبل أن تلجأ الإدارة في ما بعد إلى التوظيف الذي سيأخذ بعدا وطنيا. فأخذت المجالات الحضرية المنجمية الفوسفاطية شكلا آخر واتخذت الحياة السوسيو-اقتصادية شكلا مغايرا. فالمكتب الشريف للفوسفاط منذ أن خلقته الحماية وهو قطاع تحتكره السلطة المركزية. صحيح أن الاستعمار كان يريد حماية فلاحته من مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية، فاهتدى إلى حصر التنقيب والاستغلال بيد الدولة بدل تفويته للخواص وخلقت المكتب الشريف

وبعد الاستقلال ظل قطاع الفوسفاط محوريا في إعداد التراب الوطني وفي تقوية القدرات الاقتصادية الوطنية وفي جر المقاولات الوطنية نحو الأعلى، بدليل الاستثمارات الضخمة التي ترأسها الملك مؤخرا التي سيوظفها المجمع الشريف للفوسفاط، سواء بالجديدة أو آسفي أو الدار البيضاء أو خريبكة أو العيون، مع ما يستتبع ذلك من تعزيز القدرة المينائية والطاقية والصناعية للمغرب، فضلا عن تأمين آلاف المناصب بالشركات والمقاولات المتعاملة مع المجمع الشريف.

وبالتالي، فاستهداف المجمع الشريف للفوسفاط هو ترجمة لأطماع الحزب الحاكم في التحكم في أحد أهم المنابع المالية الإستراتيجية بالبلاد لتوزيع "الفيء" (أو الغنيمة، لأن المعنى واحد بالنسبة له) على الأنصار والأتباع، وهي نفس الطريقة التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي وضع يده على الشركات الكبرى لتوزيع الصفقات على أتباعه الذين يوزعون بدورهم الغنائم على خزانات التجنيد الانتخابي في المدن والقرى، حتى إذا حلت الانتخابات يكون الحزب الحاكم هو الماسك برقاب الناس: إما أن تصوتوا على مرشحينا أو سنغلق "الروبيني".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى كان الفوسفاط تركة للحزب الحاكم متى كان الفوسفاط تركة للحزب الحاكم



GMT 12:34 2019 الجمعة ,19 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 17:37 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 13:49 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 09:13 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

الفرار الى الله هو الحل

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya