غرب قضية، تعيشها أوساط السياسة والإعلام والأمن اليوم، بدون ضجة كبيرة، هي ما أصبح يعرف بقضية «كريس كولمان»، وتتعلق أساسا بتسريبات لوثائق تهم السير العميق للمؤسسات الاستراتيجية في البلاد، من جهة، وعلاقتها بالقضية الوطنية من جهة ثانية.
يصعب الجزم بأنه من الممكن تكوين رأي، مستقل أو مساند، في أشكال تتراوح بين السرية حينا، وبين التبخيس حينا آخر.
ما الذي حصل حتى تعذر علينا أن نكون رأيا في قضية هي من صميم الحياة العميقة والإستراتيجية لبلاد المغرب الأقصى؟
قطاع الطرق الإلكترونية بدأوا في نشر وثائق قيل لنا بأنها تهم الديبلوماسية المغربية، ولاسيما في الشق المتعلق بالقضية الوطنية الأولى والكبرى، قضية وحدتنا الترابية.
كان ذلك في أكتوبر من السنة التي نودعها، وكانت العناوين تشير إلى أن التسريبات تهم وثائق حساسة حول استراتيجية المغرب في الصحراء، و«الوثائق المسربة» تكشف عن توتر كبير بين المغرب والأمم المتحدة، وذلك في تزامن مع مناقشات ملف الوحدة الترابية في نفس الشهر.
اتسعت دائرة الشك، وازدادت الأضواء الكاشفة في الملف مع إدراج وثائق للجيش وللأجهزة.
وظل الصمت يخيم على الملف، كما لو أن الدولة المغربية أرنب في طريق ليلية أعمته الأضواء التي سلطتها جهات غير محددة الملامح.
وبتؤدة وبساطة، كانت موجات التسريب تزداد وتغمر الفضاء المغربي برمته من الإعلام إلى الديبلوماسية إلى الجيش، في زعمها.
أول رد مغربي، جاءنا من موقع.. المحارب، غير الرسمي، والذي يبدي قلقا على البلاد وينذر نفسه للدفاع عنها باستماتة كبيرة.. ونسب الموقع الهجوم والإساءة إلى المغرب، إلى الجهات الفرنسية، التي توترت علاقاتنا بها في الشهور الأخيرة.
وهي الرواية المغربية الوحيدة التي جاءت للرد على التسريب، في نهاية شهر أكتوبر الذي نحن بصدده، ولم نسمع الصوت الرسمي، سوى عقب صوم شهرين متتابعين عن الكلام، عندما نطق وزير الديبلوماسية المغربي، صلاح الدين مزوار باتهام الجزائر.
وفي الواقع كان التوجه إلى الجزائر يشبه تحصيل حاصل، وأكده من بعد الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، عندما اعتبر أن الهجوم المسعور لن يثنينا عن مسيرتنا ومواقفنا في الصحراء.
وواضح أننا أجبنا عن سؤال جديد، غير مسبوق تماما في حوليات السياسة المغربية، ولا في تاريخ الملف الوطني، بجواب قديم ومعروف..
هذا الموقف الرسمي الذي ينسجم مع منطق الأوضاع في المنطقة، لم يمنع القضية من أن تدخل نقط عتمة متقدمة وحساسة للغاية..
ولم يمنعها أيضا من أن تتحول إلى قضية رأي على التويتر، عندما جمدت إدارة التويتر يوم 16 دجنبر الجاري حسابه، ولم تبين لنا بوضوح من ربح معركة تجميد حساب التويتر؟ ولا كيف كان ذلك لمدة لا تزيد عن أسبوع، حيث سمح لكولمان ومن معه بالعودة إلى نشر الوثائق الرسمية المغربية من جديد يوم الجمعة الماضية، 20 دجنبر؟
وعاد الموضوع من جديد إلى الظهور مع نشر تقرير أمريكي حول الأمن الإلكتروني
وعندما تولي دول أخرى قضايانا علينا بالفعل أن نطرح قدرتنا على أن نكون سادة قدرنا الوطني
لقد تعودنا ألا نقترب من النقط المحاطة عادة بالعتمة، لا لجبن فكري أو إعلامي، ولكن لنقص في المعلومة ولطبيعة المهام التي تخص القرار في هذه العتمات، ويصعب الآن ألا نطرح السؤال: ماذا حصل بالضبط ويحصل، وإلى أي نقطة لن تصل التسريبات؟ وليس النقطة التي تصل إليها، فقد عرفناها.. وما جدية ما يروج في التويتر؟
وهل الإقرار المغربي بوجود هجوم مخطط له، هو في الوقت نفسه إقرار بصحة الوثائق؟
وماذا يمكن أن نستخلص من كل هذا، بما يخدم البلاد؟
ويقف الشك أيضا بكل القوة: ماذا لو أراد من خطط لهذه التسريبات أن ينقل إلى داخل البلاد نفسها.. القلق والشك والتساؤلات والتشويش؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تستحق الجواب، وشفاعة الرأي العام في ذلك المصلحة العليا للبلاد والظروف المحيطة بقضيتنا الوطنية