الإرهاب مفهوم متغير

الإرهاب مفهوم متغير

المغرب اليوم -

الإرهاب مفهوم متغير

عطاف الترابين

تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية بشكل مكثّف في العقود الأخيرة، في مختلف المناطق من العالم، سواء من حيث مخاطرها وأشكالها أو على مستوى النطاق الذي تتم فيه أو بالنسبة لعدد المنظمات التي تمارسها، وإذا كانت معظم الدول قد أجمعت على خطورة هذه الآفة، وأكدت على ضرورة مجابهتها، فإنها اختلفت في مقاربتها، مما جعل هذه العمليات تتزايد بشكل مطرد.


يكاد يجمع الكل على أن ظاهرة "الإرهاب الدولي"، أصبحت تشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي برمته بالنظر للتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي أصبحت تطرحها أمام مختلف الدول بشمالها وجنوبها، فالعمليات التي طالت عددا من البلدان في الآونة الأخيرة، أكدت أن مخاطرها تتجاوز مخاطر الحروب النظامية بالنظر لجسامتها وفجائيتها واستهدافها لمنشآت استراتيجية ومصالح حيوية وخسائرها البشرية الفادحة.


فبعدما كانت العمليات "الإرهابية" تتم وفق أساليب تقليدية وتخلف ضحايا وخسائر محدودة في الفئات والمنشآت المستهدفة، أصبحت تتم بطرق بالغة الدقة والتطور مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة.

وعلى الرغم من مختلف الجهود المحلية والاتفاقية التي بذلت في سبيل الحد من هذه الظاهرة، فإنها لم تكن بالفعالية المطلوبة، حيث تبين أن الظاهرة باتت في تزايد مستمر وخطورة متنامية وانتشار واسع.. ويمكن القول إن عجز المجتمع الدولي عن صياغة مفهوم دقيق ومتفق عليه بشأن هذه الظاهرة، بسبب تباين الخلفيات الإيديولوجية والمصلحية والمذهبية بالنسبة للباحثين والمفكرين والسّاسة.. الذين تناولوا هذه الظاهرة، أسهم بشكل كبير في قصور مختلف هذه التدابير والإجراءات التي حاولت مقاربة هذه الظاهرة العابرة للحدود..


إن إقرار المجتمع الدولي برمّته بهذا الخطر، الذي أصبح يحتل مكانة بارزة على رأس قائمة الأولويات ضمن مختلف اللقاءات والمؤتمرات الدولية إلى جانب قضايا حيوية أخرى كالحد من الانتشار النووي وتلوث البيئة والديمقراطية وحقوق الإنسان والأمراض الخطيرة العابرة للحدود..، لم يمنع من تطور وتنامي الظاهرة خلال السنوات الأخيرة، ذلك أن التباين المطروح بصدد مفهومه الملتبس، أضحى عائقا أمام مقاربته بشمولية وفعالية تسمح بوقف زحفه وانتشاره.


  فعلاوة عن مواقف الفقهاء والدول المتباينة بهذا الصدد، فالأمم المتحدة نفسها عجزت عن بلورة مفهوم قار ومحدّد يحظى بقبول جميع دول العالم.
وتتعدّد الرؤى والمواقف إزاء هذه الظاهرة تبعا لتباين الخلفيات الإيديولوجية والثقافية والسياسية.. وتتباين بين مؤكد على اختزال "الإرهاب" في كل أشكال العنف، وبين من يميز بين العنف المشروع والعنف المحرم، وبين من يركز على "إرهاب" الأفراد، وبين من يميزه عن "إرهاب" الدولة.. إلى الحد الذي اختزل فيه الإرهاب في كثير من الأحيان في عنف "الآخر".
ويُذكر أن هذا التباين في المفاهيم، يفتح المجال أمام المقاربات الانفرادية للظاهرة التي تركّز في غالبيتها على الجوانب الأمنية، مما يسهم في تنامي الظاهرة وانتشارها على نطاق جغرافي واسع.
وبإلقاء نظرة سريعة على مختلف الجهود الدولية المرتبطة بمكافحة الظاهرة الإرهاب، سواء في صورها القانونية والاتفاقية الجماعية والميدانية الانفرادية، يتأكد أن جل هذه الجهود اتخذت الطابع العلاجي، وتحكّم فيها الهاجس الأمني أكثر من أي اعتبارات أخرى.
إن أسباب ظاهرة "الإرهاب" الدولي كمظهر من مظاهر العنف متعددة ومتشابكة ومعقدة في آن واحد، تتنوّع بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وتربوي وأمني أيضا.

ولذلك فالمكافحة الحقيقية لهذه الظاهرة تبدأ من بلورة مفهوم عالمي للظاهرة، وتجاوز المقاربة الأمنية التي تركز على الفاعل والفعل (وقد أثبتت إفلاسها بالفعل في العديد من الحالات) إلى مقاربة شمولية، تسمح ببلورة سبل ناجعة ومداخل تقف على المسببات والدوافع الحقيقية لهذه الظاهرة في شتى أبعادها وتجلياتها النفسية والاجتماعية والتربوية..، بدل الخوض في علاجه بأشكال زجرية وأمنية وربما "إرهابية" أيضا قد تزيد من تفاقمه وتطوره.
وخصوصا أن التجارب الدولية المُرّة في هذا الخصوص (أحداث أميركا 11 أيلول/سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال) أوضحت وبالملموس أن أي إجراء أمني مهما توافرت له الإمكانيات البشرية والتكنولوجية والمادية، لا يمكنه الحد من هذه الظاهرة، بعدما أصبح القائمون بهذه الأعمال يطورون آلياتهم ووسائلهم ويستغلّون وبتحايل كبير أضيق الفرص والفجوات لتنفيذ أعمالهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب مفهوم متغير الإرهاب مفهوم متغير



GMT 12:34 2019 الجمعة ,19 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 17:37 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 13:49 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 09:13 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

الفرار الى الله هو الحل

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya