المغاربة والفوضى

المغاربة والفوضى

المغرب اليوم -

المغاربة والفوضى

بقلم - عبدالله زبير

يقف الكاتب الصحافي عبد الله الدامون في افتتاحيته بجريدة المساء المغربية، "يا له من بلد غريب"، على سبعة مشاهد تحمل في تفصيلاتها الغرابة والاستغراب وتدفع إلى التساؤل بعمق في سر تميز وتفرد هذا الشعب في الفوضى. في الشارع أو المقهى أو المكتب، الأمر لا يختلف كثيرا؛ حسب الدامون، فيومنا تغلبه سلوكيات هجينة ومشوهة ومشوشة بقدر يلزمنا بأكثر من لحظة تأمل مع ما يصفه بالذوات المتعفنة.
 
اختار الدامون في مقاله النظر في حارس السيارات ورأى فيه التجني والابتزاز غير المقبولين، وفي سائقي دراجات "التريبورتور" النارية وصوّرهم في صورة مراهقين متهورين ومستهترين بالحياة، وتأمّل في ثقافة القيادة عندنا وأشبهّها بالجنون. جنون أستحضره اليوم من حوار جمعني قبل تسع سنوات بباب شالة في الرباط مع سيدة أميركية وأستحضر معه سؤالها يومها فيما يفسر هذه الفوضى وهذا العبث؟ سيارات تركن على أرصفة المارة وراجلون يزاحمون العربات وأبواق تستبق إشارة اللون الأخضر وخيام عرس تنصب وسط الشارع العام وتسابق وتزاحم عند بوابات محطات الباص والقطار، مشاهد تثير الاشمئزاز وتختزل في بعض منها حكاية هذا الوطن الفوضوي.
 
اختار كاتبنا، ربما محتشما، عنونة الغرابة واخترت أنا عنونة الجنون والعبث،ليست غايتنا الخوض في الأسباب والمسببات؛ فهي عديدة ومتشعبة ومعقدة. بل، الوقوف على هذا الواقع والتأمل فيه؛ واقع نصرّ على تجاهله ونزيد بذلك في فساده وعيوبه. واقع أقف فيه على ثلاثة مشاهد أراها تختزل الحكاية، حكاية الوطن طبعا!
 
المكان: منتزه "الطايشة" بغابة المعمورة في الضاحية الجنوبية لمدينة القنيطرة. الزمان: يوم عطلة، التفاصيل: سيارات ،بعضها فاخر، راكنة على جنبات أشجار البلوط، عائلات تجتمع على موائد شواء وكؤوس شاي بالنعناع. مشهد معقول ومقبول؛ فكثيرا ما دافعنا ورغبنا في انفتاح الأسرة المغربية على مجالها الطبيعي وتدعيم ثقافة النزهة. في لحظة ينقلب المشهد على عقبيه؛ أكوام مترامية من النفايات، علب بلاستيك متناثرة على نبت يابس ورمال شاحبة وروائح تخنق الأنفاس، مشهد ينسى فيه المرء الخضرة والوجه الحسن ويستحضر فيه القبح والعار. أسأل: ما يفسر هذا الاعوجاج وهذه الهمجية؟ أمجانين نحن؟
 
المكان: مقبرة أولاد اوجيه بالقنيطرة، الزمان: وقت الظهيرة، المناسبة: استفسار حول إجراءات دفن. أدخل المقبرة من بوابتها الرئيسية، يستوقفني الحارس وعلامات السكر بادية عليه: "هل ترغب في قبر صغير؟" نعم هكذا؛ وفي مكان اختارت كل الثقافات وكل الديانات تقديسه وإجلاله. بدا الأمر حينها وكأننا مصرّون على الجهل والتفاهة. مصرّون على التحقير بدل التوقير، على السفاهة بدل اللباقة وعلى العبث بدل المعقول. استسلمت لحظتها لذاكرة الطفولة واستحضرت مشهد مقابر المسيحيين في طريق المهدية. مقابر أنيقة طبعا! وأستسلم الآن لحقيقتنا هذه: طقوس الموت عندنا لا تختلف كثيرا عن طقوس الحياة. 
 
المكان: سوق الغنم، الزمان: صباح مشمس، الحدث: عيد الأضحى. لاشك أن ما يطلق عليه المغاربة "العيد الكبير" يحضر في الذاكرة والمخيلة المغربيتين برمزية كبيرة. رمزية تتمثل في قيمة ومدى اهتمامنا نحن المغاربة بتفصيلات هذا الحدث وفي عمق حضوره الروحي والديني والثقافي والاجتماعي في ثقافتنا. للأسف، في كل مرة نحيله على الفوضى بالسوق، المشهد يشبه حلبة صراع أو ساحة حرب شعواء؛ صراخ، غبار أسود، وجوه شاحبة يائسة تسترشد طريقها في زحام خانق، صبية حفاة، لصوص تبحث عن لحظات غفلة، متسولون، رجال أمن شاردة وعجوز ضائعة في وجوه الناس المغلوبة. لا تهم طبيعة اللحظات! لا يهم إن كانت لحظة حزن أو لحظة فرح. لا يهم! المهم، هو إصرارنا على الفوضى؛ على الفرح والحزن والعيش والموت فيها. الفوضى قدر المغاربة حتى يتحقق الوعي بضرورات التغيير. تغيير الطباع طبعا! 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغاربة والفوضى المغاربة والفوضى



GMT 12:34 2019 الجمعة ,19 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 17:37 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 13:49 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 09:13 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

الفرار الى الله هو الحل

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya