بقلم : خالد أوباعمر
لا شك أنّ البلاغ السياسي الأخير، الذي أنهى بموجبه حزب العدالة والتنمية، مشاورات تشكيل الحكومة مع كل من الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش والأمين العام لحزب الحركة الشعبية امحند العنصر، بلاغ لم يكن يخطر على بال الأحزاب السياسية الأربعة التي أصدرت بلاغًا استفزازيًا، تهدف من خلاله إلى ليِّ ذراع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ودفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات بعد أن اضطر إلى التخلي على حليفه حزب الاستقلال في أول منعرج خطير، بسبب تصريحات صادرة عن الأمين العام لهذا الحزب حول موريتانيا تم تضخيمها والركوب عليها لفك الارتباط بين الحزبين، والتخلص من شخص شباط الذي رفض وصفة الانقلاب البامجي على شرعية صناديق الاقتراع في الاجتماع الذي انعقد يوم 8 أكتوبر في بيت الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر.
لكن من الناحية التكتيكية، يمكن القول إن أدوات التحكم السياسي أفلحت في جر رئيس الحكومة إلى المربع الملكي لكي يتدخل الملك في إطار صلاحياته الدستورية بوصفه رئيسًا للدولة وممثلها الأسمى من أجل إيجاد حل لأزمة تشكيل الحكومة التي استغرقت ثلاثة أشهر بسبب حالة البلوكاج التي وظفت فيها ورقة حزب الاستقلال الحارقة والتي عرف حزب العدالة والتنمية كيف يتخلص منها بحس براغماتي كبير لكي لا يصطدم مع أطراف نافذة داخل الدولة لم تعد ترغب في مشاركة حزب الاستقلال في الحكومة لأسباب ترتبط في العمق بمواقف شباط وبتموقعه السياسي مند انتخابات 7 أكتوبر 2016 إلى جانب حزب العدالة والتنمية.
والدور الذي لعبه أخنوش وأمناء الأحزاب السياسية الذين ارتبطوا بأجندته لا يختلف في العمق عن الدور الذي يقوم به “الحياحة” في موسم القنص لاصطياد الخنزير وغيره من الطرائد.
بمعنى آخر، عندما جيء بأخنوش إلى الأمانة العامة لحزب التجمع الوطني للأحرار، كانت الغاية في الأساس من وراء هذا المجيء هي الحفاظ على شعرة معاوية بين هذا الحزب وحزب العدالة والتنمية، لا سيما، وأن هذا الأخير ظل يصرح بأن التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة خط أحمر وهو الموقف الذي ظل يردده هذا الأخير بدوره.
قيادة أخنوش لحزب التجمع الوطني للأحرار إشارة سياسية التقطها حزب العدالة والتنمية وفهم منها أن هناك أطرافًا داخل الدولة ترغب في أن يظل حزب الحمامة في الحكومة وهذا ما يفسر رفض بنكيران، تشكيل الحكومة رغم أن أغلبية 203 كانت متوفرة لديه في إطار تحالف يضم كلًا من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية.
لكن طموح الجهات التي تقف وراء أخنوش كان أكبر بكثير من طموح بنكيران، وهذا ما يفسر لعبة شد الحبل الذي دخل فيها هذا الأخير في العلاقة مع أخنوش، الذي بدأ يفرض عليه شروطًا تعجيزية من ضمنها رفض المشاركة إلى جانب حزب الاستقلال لكسر تحالف الحزبين وهو الأمر الذي خضع له رئيس الحكومة بسبب تصريحات شباط حول موريتانيا رغم أن الربط بين هذه التصريحات ومفاوضات تشكيل الحكومة يظل تعسفيًا.
الثابت على ضوء أكثر من مؤشر أن عراقيل تشكيل الحكومة كانت توضع في إطار مخطط متكامل يهدف إلى تشكيل الحكومة خارج إطار نتائج الاقتراع وبما يتوافق مع رغبات جهات داخل الدولة اعتادت أن تكون لها الكلمة الفصل في ترتيب التحالفات المفضية إلى تشكيل الحكومة بما لا يمس توازناتها الكبرى.
لو لم يعلن حزب الاستقلال في البيان، الذي صدر عن مجلسه الوطني الذي أعقب الرجة الإعلامية والدبلوماسية الرسمية التي رافقت تصريحات الأمين العام حميد شباط عن موقفه الداعم للأغلبية الحكومية أيا كان موقعه سواء داخل الحكومة أو خارجها لما تعرض رئيس الحكومة المعين للابتزاز الذي تعرض له أثناء مشاورات تشكيل الحكومة مع أخنوش والعنصر، لأن الجهات التي كانت تبتز البيجيدي بورقة حزب الاستقلال ودفعته اعتقدت أن تخلي بنكيران عن الاستقلال سيدفع هذا الأخير إلى تغيير تموقعه، والرهان ربما كان معقودًا على انفعال ومزاجية حميد شباط وجماعته المؤثرة في صناعة القرار الحزبي داخل حزب الاستقلال.
موقف حزب الاستقلال أربك حسابات الجهات التي تحرك العنصر وأخنوش لأن تشكيل حكومة من أربعة أحزاب فقط سيخلق أزمة كبرى مع إدريس لشكر الذي يظل مستقبله السياسي كأمين عام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مرتبطًا بمشاركته في الحكومة وهذا ما يفسر لجوء أخنوش إلى الدخول في لعبة ابتزاز جديد في العلاقة مع بنكيران من خلال بلاغ الأحزاب الأربعة الذي تغطى بمضامين الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس من العاصمة السنغالية دكار قبل أشهر. وقد كان رهان الجهة المبتزة هو إضعاف بنكيران سياسيًا من خلال أغلبية لا يملك سلطة عليها وشعبيا من خلال إظهاره أمام الرأي العام الذي يتابع مفاوضات تشكيل الحكومة كرجل عاشق للسلطة وخانع وخاضع لرغبات المخزن بعيدًا عن نتائج الاقتراع.
فبقدر ما كان بلاغ بنكيران الأخير مفاجئًا للجهات التي تقف وراء البلوكاج السياسي الذي حال دون تشكيل الحكومة رغم مضي ثلاثة أشهر فإنه فتح المجال أمام تدخل ملكي حاسم إما في اتجاه تشكيل حكومة موسعة تضم أطرافًا سياسية متعددة من ضمنها البام، تحت مبرر أن المصلحة العليا للبلد تقتضي.. وإما في اتجاه المضي إلى تعديل دستوري بمبادرة من الملك تكون غايته هي تعديل الفصل 47 من الدستور، وإما في اتجاه الذهاب إلى انتخابات تشريعية وهذا أمر مستبعد جدًا.
استنادًا إلى بلاغ حزب بنكيران الذي أنهى الكلام مع أخنوش والعنصر واستنادًا إلى الإكراهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون الذهاب إلى الانتخابات مجددًا، فالمرجح أن الحكومة المقبلة لن تخرج عن إطار تحالف سياسي لا خطوط حمراء فيها وهذا ما يعني أن إمكانية مشاركة البام أصبحت جد واردة، وهذه هي المفاجأة التي لم يتم تضمينها في بلاغ حزب الأصالة والمعاصرة الذي استبق بلاغ الأحزاب الأربعة وبلاغ العدالة والتنمية.