عبد الرحيم بنشريف
في سباق مع الزمن، و مرورا إلى السرعة القصوى، تطرح الحكومة، في آخر أيامها ملفات، من العيار الثقيل، بالنظر للارتباط اللصيق لهذه القضايا في المجتمع، و دورها في رسم معالم خارطة المستقيل، و على وقع هاجس الاستحقاق التشريعي المقبل،
ورغبة في تدارك الزمن السياسي الضائع طيلة ولاية تشريعية كاملة غير منقوصة، يتم تحريك ملفات وازنة، بثقلها المجتمعي، مع نهاية الأسبوع الأول من شهر ماي، شملت مشروع مدونة القانون لجنائي، و ما أدراك ما هذا القانون، ثم المصادقة على مشروع المناصفة، و المصادقة على قانون تشغيل الخادمات في المنازل، ومواصلة النقاش حول مدونة الصحافة و النشر، ثم مشروع إعادة تنظيم الهاكا، وقوفا عند الإستراتيجية الوطنية للتقليص من حوادث السير.
و في المقابل انشغل الرأي العام، بما يقدمه له الإعلام في مختلف منابره، حول وقع شبكات التواصل الاجتماعي، على الدولة و المجتمع، و تنامي قضاء الشارع، و جرد لتاريخ القياد و الباشاوات، الذين حكموا المغرب باسم المخزن، و تنامي مظاهر الغش و الفساد، في المواد الاستهلاكية، التي تهدد صحة المواطنين، و المنتشرة عبر الأسواق و المحلات التجارية بأكثر من مدينة و إقليم و جهة.
*قارئة الفنجان تستطلع الساحة السياسية و تحالفاتها المرتقبة
و موازاة مع ذلك، يطرح موضوع الكوطا و العتبة، و قراءة الفنجان حول التحالفات السياسية المرتقبة، حيث تركز الحديث حول كون الحكومة سارت في اتجاه حرمان الأحزاب (الصغرى) من الدعم المالي عندما حددت العتبة في 5 في المائة، بخصوص الشطر الثاني، من هذا الدعم، بناء على نتائج اقتراع 7 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
و لا شك أن كل هذه الملفات، التي طرحت للنقاش في الساحة السياسية الوطنية، بهذا البناء و في هذا الظرف بعينه، تؤشر على غليان انتخابي فعلي بامتياز، ينم عن إرادة واعية لتلغيم و شحن المجتمع بأكبر قدر من أسباب التوتر و الاحتقان، في الاتجاه الذي يجعل الأوضاع على صفيح ساخن، تتهدد أمن واستقرار المجتمع.
*المجتمع بين المدونة الجنائية و قانون المناصفة، و تنامي قضاء الشارع
فأخطر ما يتهدد الحقوق و الحريات، هو التشريع الجنائي، يطرح للنقاش و المصادقة، تزامنا مع الحسم في ملف المناصفة، الذي يهم نصف المجتمع، و كأن حال هذه الحكومة يقول، علي و على أعدائي، و أنا و بعدي الطوفان. فالتلكؤ طيلة خمس سنوات، و الختم بسم زعاف، ينم عن إرادة لا مسؤولة لدى حكومتنا الموقرة.
و إذا كان موضوع القانون الجنائي، بما يطرحه من نقاش عمومي، قد هرب و حوصر تحت قبة البرلمان، في غفلة من المواطن، فان الإعلام الورقي و الإلكتروني خاصة، ناقش بالمقابل، قضايا تنامي ظاهرة قضاء الشارع، و حلول بعض الأشخاص محل المؤسسات و الأجهزة الموكول لها تطبيق القانون.
و هنا يطرح السؤال عريضا فيما كان النقاش حول المدونة الجنائية قد عرض لهذا السلوك الإجرامي الخطير، المهدد لأمن و استقرار المجتمع، و إلا فلا فائدة من نقاش، لا يطرح أهم مستجد جنائي يستفز الحقوق و الحريات، و يتطاول على الدولة و مؤسساتها.
*الفضاء الأزرق و الحملة المسعورة على قياد الداخلية
كما أن فضاء التواصل الاجتماعي، اختص بما بات يعرف بالحملة، المسعورة على رجال السلطة، و التركيز على سلك القياد، مما يؤشر على وجود إرادة خفية، لضرب أهم جهاز إداري و أمني، له ارتباط يومي و مباشر، بتصريف شؤون المواطن، و ذلك من خلال توظيف حالات، لتجاوزات بعض من هؤلاء المسؤولين، و الترصد لها، كمسوغ للتدليل على فساد هذا الجهاز بأكمله، لإحكام القبضة عليه، و لخلق ثغرة، يتحينها صناع و محترفو الإجرام، لتحكيم منطق الشارع و الغاب.
و هنا وجبت الإحالة على بعض الصحف خصصت صفحات و ملفات أسبوعية، بموازاة ذلك لاستحضار تاريخ حكم القياد و الباشاوات للمغرب باسم المخزن، الأمر الذي تفسر بالملموس، الاستهداف المقصود و الإمعان الواضح في الضرب من تحت و من فوق الحزام.
*قانون الصحافة و النشر و إعادة تنظيم الهاكا
ينضاف الى هذا التهافت اللا مفهوم، على تسخين الأجواء و إذكاء لهيبها، طرح المناقشة حول مدونة الصحافة و النشر، في ارتباط بما تمثله من ضبط لممارسة حق دستوري، جوهري هو حرية التعبير و الرأي العام، حيث يتم الحديث عن تحقيق مطلب هام يخول للمواطنين تقديم شكايات ضد تجاوزات التلفزيون العمومي، يجابه بتأويل اتنخابوي، يقول بالسعي الى إغراقه بشكاوى الإخوان، و من ثم فالمزايدة قائمة من كافة الأطراف، لا غبار عليها.
و في ارتباط بنيوي بقطاع الصحافة و النشر، و بمجرد طرح مشروع إعادة تنظيم الهاكا، طفا على السطح تقرير وصفي يتناول الأعمال السينمائية ، في الخدمات التلفزية، يقدم صورة تعكس سوء تدبير و تقدير في التعاطي مع المنتوج الوطني لحساب الإنتاج الأجنبي وبشكل قطعي المكسيكي و التركي، الذين استوطنا و غزيا صناديق اللا فرجة المرئية عندنا.
*مناورات لرسم معالم تحالفات مرتقبة: التركيبة الرباعية
و إذا كان هذا هو واقع حال، ما هو مطروح على الساحة الوطنية، كقضايا و ملفات، يبدو ظاهريا أنها تناقش تلقائيا، عمق انتظارات المواطن و انشغالاته، فالحقيقة أن في الوجه الآخر المبطن للعملة نجد تحركات الفاعل السياسي، تناور بكل هذه الملفات و القضايا، من أجل رسم معالم التحالفات السياسية المرتقبة.
*الإعلان عن ميلاد الحزب الشيوعي ألإخواني
و استكمالا للفقرة أعلاه، طالعتنا إحدى الصحف اليومية، بأطرف عنوان، يشير في هذا السياق أن زعيما سياسيا أعلن عن ميلاد الحزب الشيوعي ألإخواني، و الذي يقدم أرقى نموذج يتم فيه تذويب المشروع الحداثي الديمقراطي، في مشروع إخوان بنكيران، علما بأن هذا الزعيم فتش يمينا و يسارا، و لم يجد غير ذلك خيارا، فراح يقنع نفسه، قبل غيره أنه نعم الاختيار، و ليندحر اليسار.
و لتكتمل الصورة و ينتظم المشهد، فالرأي العام و قراء الصحافة الورقية، الذين صاروا مفترضين، بناء على ناقوس الخطر الذي دقه رئيس فدرالية الناشرين، حول مستقبل الخبر الورقي، أصبحوا مجبرين على متابعة التحركات البهلوانية للتركيبة الرباعية بنكيران، ألعماري، لشكر و شباط. فالخبر الصحافي لا يتنفس و لا يتحرك إلا بهذا.
*خلاصة:
و الخلاصة أن ما حفلت به صحافتنا الوطنية، عبر متابعتها المشهد السياسي الوطني، مع نهاية أول أسبوع من شهر ماي، الذي يزهر فيه الربيع بشتى ألوانه، هو باقات ورود من أشواك، تشتم منها روائح التوتر، و الاحتقان، و غياب خطاب سياسي متزن، يساهم في التخفيف من معاناة المجتمع، أمام تزايد وتيرة الغش و التدليس في المواد الغذائية، التي تهدد حياة المواطن، و تسترخص صحته، دون الحديث عن الزيادات في الأسعار، و التفاتا الى ما أضحت تشكله حوادث السير من حرب حقيقية على الحياة.