الـبلوكاج الحكومي والصراع المفتعل بين بنكيران وأرباب الأحزاب

الـ"بلوكاج" الحكومي والصراع المفتعل بين بنكيران وأرباب الأحزاب

المغرب اليوم -

الـبلوكاج الحكومي والصراع المفتعل بين بنكيران وأرباب الأحزاب

بقلم - مراد بورجى

دخلت لفظة "البلوكاج" إلى الجهاز المفاهيمي للقاموس السياسي المغربي مند أن لاحت عدة مؤشرات في الأفق على أن رئيس الحكومة المعيّن عبد الإله بنكيران يتجه نحو الاصطدام بالحائط في مهمته الخاصة بتشكيل فريقه الحكومي، لكن دعونا نتوقف عند ماهية الـ"بلوكاج" ومدلوله في السياق السياسي والدستوري الذي دخلته بلادنا منذ ما سمي بالربيع العربي وحركة عشرين فبراير/شباط التي "جاءت بحزب العدالة والتنمية إلى السلطة" كما يزعم بنكيران نفسه في أكثر من مناسبة.

وقبل أن نجيب عن ماهية "البلوكاج"، لابد أن نسجل هنا أن بنكيران كان من السباقين إلى وضع الحواجز و"البلوكاج" أمام حركة 20 فبراير/شباط ومحاصرة خرجاتها واحتجاجاتها الرامية إلى العيش بكرامة وإسقاط الفساد والاستبداد بمعنى أن إسلاميي "العدالة والتنمية" وصلوا إلى "السلطة" دون أن يشاركوا في هذا الحراك الشعبي المغربي الذي كان من بين متزعميه جماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضه لنظام الحكم وليس الحكومة.

لنعد الآن إلى مفهوم "البلوكاج" الذي أصبحت له دلالة سياسية مخيفة علما أن الوثيقة الدستورية الحالية لم تحدد أجلا دستوريا يمكن الحكم بمقتضاه على أن البلاد في وضعية أزمة سياسية تتطلب تدخلا ملكيا لحلها، وأكثر من هذا، هناك من يحاول أن يوهم المغاربة أن القصر هو الذي يقف وراء هذا "البلوكاج"، بل هناك كتابات أعطت مدلولا خاصا لهذا "البلوكاج" بهدف إخافة القصر ومحيطه وذلك من أجل تعبيد الطريق أمام بنكيران ليصول ويجول في تشكيل حكومة على مزاجه الخاص.

وفات أصحاب هذه الكتابات أن "البلوكاج" الحالي في المغرب هو وضع سياسي عادي نظرا للتحولات التي عرفتها بلادنا منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ قبل خمس سنوات. نعم إذا فات هؤلاء الكتبة كل هذا، فإن للقصر أيضا كتبته ودسائسه التي تجعله في وضعية مريحة وغير مكترث لهذا الصراع السياسي المفتعل بين أرباب الأحزاب حول اقتسام الغنائم الحكومية. وهنا فإن القصر يستحضر ما عرفته مجموعة من الدول من "بلوكاج" دام في إسبانيا تسعة أشهر ودام في بلجيكا قرابة السنتين فيما ظلت دولة لبنان سنتين ونصف دون رئيس.

وعلى كل حال، ورغم عدم وجود حكومة في المغرب فإن السير العام لؤسسات البلاد لم تتأثر طيلة المدة التي تجاوزت الثلاثة أشهر، وهكذا تأكد ما كان يردده بنكيران في كل مناسبة أو بدونها بأن الملك هو رئيسه الفعلي فيما بنكيران ليس إلا عضوا في مجلسه الوزاري مهمته تنفيذ البرنامج الملكي. إذن واهم من لازال يعتقد أن بنكيران باطرون العدالة والتنمية له برنامج مخالف لتوجهات القصر حتى نرسم له هذه الهالة "النضالية" الوهمية التي يحاول البعض ترويجها على نطاق واسع لإظهاره في صورة "الزعيم" الشرس الذي يستطيع أن يقول لا للقصر. وليس بنكيران وحده من لا يملك برنامجا مخالفا للقصر بل إن جميع الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية لا تملك برامج تناقض برامج "سيدنا" بتعبير العديد من "الزعماء" السياسيين.

أما عن الأسباب الحقيقية لهذا "البلوكاج" فلابد من الإشارة هنا إلى أن بنكيران له مسؤولية مباشرة بل له حصة الأسد في هذا المأزق الذي وضع فيه نفسه وحزبه، وكلنا يتذكر في هذا المنحى انتخابات 2011 عندما كان بنكيران يعد ناخبيه بمحاربة مخلفات نصف قرن من فساد الحكومات السابقة وسوء تسييرها للشأن العام قبل أن يصبح بنكيران جزءًا من هذا الواقع الفاسد من خلال مقولته الشهيرة "عفا الله عما سلف". وهي مقولة تعكس الفشل الذريع لبنكيران في محاربة لوبيات الفساد بل إن بنكيران شرعن هذا الفساد وعمل على تقويته من خلال ما أسماه قانون المساهمة الإبرائية الذي سمح لمهربي العملة بإدخال أموالهم للمغرب دون خوف من المتابعة القضائية

وتتجلى مسؤولية بنكيران في صنع "البلوكاج" ذلك أنه تناسى ما فعله به شباط باطرون حزب الاستقلال عندما تخلى عنه في منتصف الطريق بانسحابه الغامض وغير المفهوم من النسخة الأولى للحكومة قبل أن يشن عليه حملة عنيفة وصلت إلى حد اتهامه بالعِمالة للموساد الإسرائيلي والانتماء إلى "داعش" الإرهابي وغيرها من الاتهامات الثقيلة.

وأكثر من هذا فقد تناسى بنكيران مرة أخرى أن هذه الأحزاب التي يعتبرها غير مستقلة في قرارها السياسي مثل حزبي الأحرار والحركة والحركة الشعبية، هي التي أنقذت سفينته الحكومية من الغرق في لحظة سياسية صعبة وأكملت معه المشوار التي تحققت فيه هذه "الإصلاحات والإنجازات الكبرى" التي يحلو له أن يتحدث عنها اليوم في كل خرجاته الإعلامية بل إنه جعل منها برنامجه السياسي في الإنتخابات التشريعية الأخيرة.

وليس هذا فحسب فبنكيران ظل دائما يستجدي ناخبيه من أجل أن يجددوا الثقة في أغلبيته الحكومية بهدف مواصلة واستكمال ما تبقى من الأوراش والإصلاحات المفتوحة في ولاية ثانية، غير أن بنكيران لم يف بوعده بل أدار الظهر لحلفائه التقليديين في حكومة الولاية الأولى وراح يناور في رحلة بحث جديدة عن حلفاء جدد من الكتلة الديمقراطية مخافة ترسيم ما يسمى بالثنائية القطبية التي وضعت البام في طليعة المشهد السياسي بـ102 مقعدًا برلمانيًا، وهو الرقم الذي يشكك فيه بنكيران في الوقت الذي كان فيه هو ووزيره في العدل مشرفين على هذه الاستحقاقات الانتخابية التي أفرزت هذه النتائج.

بقي فقط أن نشير إلى أن بنكيران كان في وضع مريح وفي غنى عن هذا المسلسل المرهق من "البلوكاج" عندما طلب منه إدريس لشگر باطرون الاتحاد الإشتراكي في الجولة الأولى من المفاوضات بأن يعلن عن ميلاد الحكومة المكونة من العدالة والتنمية وأحزاب الكتلة الديمقراطية (الاتحاد، والإستقلال، والتقدم والاشتراكية) بأغلبية 203 مقعدًا برلمانيًا، إلا أن بنكيران "أبغى الزبدة وفلوس الزبدة" وأصر على إلحاق حليف آخر بمواصفات أخرى إلى فريقه الحكومي الجديد لعله يفتح له الطريق نحو عالم المال الأعمال ويُبقي له الأبواب مفتوحة مع القصر، والمقصود هنا بالطبع عزيز أخنوش الصديق المباشر للملك لأن بنكيران يريد أن يتفادي المرور عبر المستشار الملكي فؤاد عالي الهمه.

إذن من حق أخنوش الوافد الجديد على رئاسة الأحرار أن يشترط شروطه على بنكيران خصوصا منها التفاهم على الاستمرار بنفس الأغلبية الحكومية السابقة، وأن يرفض التحالف مع حزب الاستقلال الذي لم يكن مشاركا في الحكومة التي حققت "إنجازات بنكيران" بل كان يشاغب على العمل الحكومي من موقعه في المعارضة. ومن الطبيعي أن يطلب زعيم الأحزاب الإدارية الجديد خلفا لإلياس العمري حسب تعبير الكتبة، ضمانات حقيقية قبل الدخول في أي حكومة رئيسها خدع حلفاءه السابقين.
 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الـبلوكاج الحكومي والصراع المفتعل بين بنكيران وأرباب الأحزاب الـبلوكاج الحكومي والصراع المفتعل بين بنكيران وأرباب الأحزاب



GMT 12:34 2019 الجمعة ,19 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 17:37 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 13:49 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 09:13 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

الفرار الى الله هو الحل

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya