استعجلت المصالح المركزية لوزارة الداخلية عملية التبرؤ من قائد الدروة، وذلك بمجرد أن لاح في سماء العالم الأزرق، شريط احتجازه شبه عار، بمنزل زوجين بينه و بينهما علاقة مشبوهة، تتراوح بين الابتزاز و التحرش.
قرار الوزارة بعزل القائد، و التخلي كلية عنه، قرار متسرع، و بالغ القسوة، بل يتجاوز في شدته حدود ما ارتأته المحكمة و القضاء، و معه نستحضر المثل الشعبي المغربي الضارب في عمق الذاكرة الجمعية للمجتمع:" أهل الميت صبروا و العزاية كفروا".
لسنا هنا لنعطي دروسًا لجهاز، له من السلطة و اليد الطولى، و الإمكانات المادية و البشرية، ما يفوق كفايته لضبط كل صغيرة و كبيرة، في الشأن الداخلي للبلاد، بقدر ما نتساءل مع الرأي العام، عن خلفيات، قرار من هذا النوع، يقدم قائد الدروة، و غيره من القياد، أكباش ضحية ربما لمؤامرة، تؤشر عن صراع، يبدو أنه كان من قبل خفيا، و لم يعد اليوم كذلك، بين مواقع و أجهزة بعينها، و جهات تغتنم الفرص، في فضاءات التواصل الاجتماعي، لتصفية الحسابات، و توجيه رسائل مشفرة، و واضحة، في الآن ذاته.
إن حالة قائد الدروة، توضح أمرا جليا، هو أن القرار، الذي بادرت الإدارة باتخاذه في حقه، يترجم الضغط الذي راح رواد الفيسبوك، و جهابذته يمارسونه، لابتزاز أعوان و رجال السلطة، و بخاصة القياد، بشكل يؤكد وجود نيات مبيتة، للمس بمصداقية جهاز بأكمله، حتى لو اقتضى الأمر، اعتماد أساليب الفبركة و المونتاج، و إعداد أشرطة و تسجيلات تشتم منها، روائح سبق الإصرار و الترصد.
و على سيبل المثال، فرئيس حكومة دستور2011، زاد الطين بلة، لا يقيم وزنا لا للمقام و لا للمقال. و هنا نتساءل أ الى هذا الحد يسمح رئيس الحكومة لنفسه بالتدخل في قضية معروضة على القضاء؟ و يطلق العنان للسانه، و يصدر الأحكام، دون مراعاة لمبدأ توفير شروط المحاكمة العادلة؟ و أبسطها اجتناب التأثير على القضاء، في ملف لازال التداول بشأنه لم ينته بعد.
و الطامة الكبرى أن حديث السيد رئيس الحكومة في الموضوع، جاء في سياق ترأسه لتجمع خطابي أمام شغيلة حزبه بمناسبة فاتح ماي، مما يدل صراحة على أن دستور2011، يجلد المرة تلو الأخرى، و على يد من؟ رئيس الحكومة. ألا تحق متابعته على فعل هو أكبر و أخطر من زلة قائد الدروة، لأن منصب رئيس الحكومة، و بفعله هذا يكون قد ضرب عرض الحائط، مصداقية الدولة و المؤسسات.
إن أبسط استنتاج، يخرج به ذو عقل سوي، من هذه النازلة، أن الحزب الحاكم، يوجه رسائل، الى من يهمه الأمر، و هو هنا جهاز الداخلية، قبل حلول موعد الاستحقاق التشريعي المقبل، كهجوم استباقي للجم ألسنة و أيدي رجال السلطة، بكل رتبهم، و حمل الفزاعة في وجههم، لأهداف انتخابوية صرفة.
و الحقيقة أنه من غير الطبيعي، أن يتم تتابع زلات قياد الداخلية، من الدورة الى القنيطرة، و يوم الأحد 8ماي يورد موقع الدراركة برس خبرا عن اغتصاب قائد لخادمته ذات 18ربيعا بمراكش، و في اليوم نفسه تم تعميم خبر، على موقع الشمال نيوز، يتحدث عن صورة لسلوك سلطوي، لباشا تطوان وهو يقوم بمسح حذائه، وسط الشارع العام، بعدما استدعى أحد ماسحي الأحذية، من ساحة البريد إلى شارع محمد الخامس، ليقوم بمهمة مسح حذائه، وهو واقف وسط الشارع، في منظر مستفز، ينم عن عقلية سلطوية، استعلائية وعقد نفسية خطيرة.
و ينضاف الى ذلك، محاولة إعادة إحياء، قضية ارتشاء قائد الفنيدق، في اليوم نفسه عبر الفيسبوك، رغم أن الموضوع قد مرت عليه مدة زمنية، تتجاوز 6 أشهر تقريبا.
و إذا كان السيد وزير الداخلية، قد عبر في معرض جوابه، على سؤال أمام البرلمان، عن استغرابه لهذا التحامل على رجال السلطة، من خلال حالات معزولة، و أن ذلك لا يعني وضع هيأة بكاملها في سلة واحدة، فالرأي العام اليوم، و نحن في دولة الحق و القانون، يلتمس من السيد حصاد مراجعة قراره، في حق قائد الدروة، و أن يتفهم أن سيناريوها محبوكا، يتقصد الإطاحة برجال السلطة، و المس بهيبتهم، بعدما أبانت جهود مختلف المصالح الإدارية و الأمنية، عن مهنية عالية، و احترافية تحسد عليها، في السهر على أمن واستقرار الوطن و المواطن، قل نظيرها حتى في دول، تعد على قائمة البلدان المحصنة أمنيا.
ويكفي المصالح التابعة للوزارة فخرا، أنها أبدت يقظة فائقة، و حرصا كبيرا لينعم الوطن بأمنه و استقراره. و لما لا فقد تكون بعض الجهات المعادية للوطن، قد تفتقت عبقريتها، الى أن النموذج الفعال لبنية أعوان و رجال السلطة( المقدم، الشيخ الباشا، القائد...)، هي السر في نجاح المغرب، في الحفاظ على أمنه و استقراره، و من ثم جاء التفكير، في تفكيك أحصنة هذا الجهاز المناعي الصلب، باستهداف أقوى حلقاته، التي يمثلها رجال السلطة، خاصة سلك القياد.
ثم إن للمغرب سابقة، خلفها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، عندما خاطب أبناء الوطن المغرر بهم في الصحراء المغربية، إن الوطن غفور رحيم، فلا نريد أن تمضي الوزارة الوصية قدما، في خلق أعداء للوطن، من أطرها التي تفانت في خدمة البلاد.
إن حالة قائد الدروة تبعث على القرف، و تدعو الى الشفقة، خاصة و أن مصالح الوزارة، تعلم علم اليقين، حجم مأساته الإنسانية و الاجتماعية، بعد القرار القاسي في حقه، و هو المعيل الوحيد لأسرة تضم الأصول و الفروع و فروع الفروع، لذلك رفقا به، و لتأخذه الوزارة برحمة الوطن، و تراجع قرارها، و تترك القضاء يحكم قي قضيته.
فكم من أصحاب سلطة و مال و جاه عاثوا ظلما، في البلاد و العباد، شردوا أسرا، و يتموا عائلات، و قلبوا الدنيا جحيما على المظلومين، و لم يجرؤ أحد على محاسبتهم.
لكل هذه الاعتبارات نتمنى أن يجد هذا الخطاب اهتمامًا و تفهما، لدى المصالح المركزية للوزارة.