متابعة – صافي الياسري
لا تترك مريم رجوي مناسبة مهمة تخص أوضاع شرائح وطبقات الشعب الإيراني دون أن تضعها تحت عدسة الفحص والدرس واستخلاص العبرة من متحركاتها ومؤشراتها، وهذه هي سمة الرسالة التي وجهتها في يوم العمال العالمي لهذا العام، فبعد أن هنأت العمال الإيرانيين تحدثت عن توسع الاحتجاجات والتظاهرات والاضرابات العمالية وعدتها دليلا حازما على العمل للقضاء على نظام القمع والنهب والاستغلال الفاشي وإسقاط نظام ولاية الفقيه .
وأشارت إلى ما لايقل عن 1300 حالة إضراب ومظاهرة واعتصام قام بها العمال في العام المنصرم وعشرات الاعتراضات الأخرى خلال الأسابيع الأخيرة تدل على مقاومة العمال الإيرانيين وعدم استسلامهم أمام الاضطهاد الذي تمارسه ولاية الفقيه.
وقالت في رسالتها إن هكذا مواجهة متزايدة ضد نظام الحكم في ظروف لم يعش العمال فيها إطلاقا هكذا وضعا مزريا في الفقر والقمع وانعدام الحقوق والسلامة المهنية إلى هذا الحد منذ زمن المجاعة بعد الحرب العالمية الثانية فصاعدا أي منذ 70 عاما لحد يومنا هذا.
وفي الخريف المنصرم، أعلن بنك النظام المركزي أنه زادت نفقة كل عائلة إيرانية بنسبة 31.4% في العام المنصرم مقارنة في العام 2012. (1)
إن هذه الحالة التي حولت العديد من العوائل إلى تحت خط الفقر تأثيرها أكثر وخامة بالنسبة للعمال.
وحسب اعترافات مسؤولي النظام، حاليا إن الوضع المعيشي لـ 90% من الوسط العمالي للبلد تحت خط الفقر كما لم يختلف الوضع كثيرا في ما يتعلق بالنسبة المتبقية ".(2) ومنذ عام 2005 لحد الآن انخفضت قوة العمال الشرائية بنسبة 7% .(3) و "الشرخ الحالي بين الأجور وتكاليف العوائل العمالية ممن يشكلون أكثر من 50 بالمائة من جميع العمال في البلد أدى إلى نشاطات جبرية في الأسواق غير الرسمية والسمسرة والعمل الليلي والعمل الوقتي وما شابه ذلك بهدف تمرير معيشتهم". (4)
ولو أن الحد الأدنى للأجور المحددة للعمال بعيد كل البعد عن نفقات عوائل العمال الحقيقية إلا أنه "في الوقت الحاضر يستلم 5 ملايين منهم أقل من الحد الأدنى للأجور المحددة عن دائرة العمل كما أنهم لا يتمتعون بأي تأمين وبطاقة وظيفية". (5)
وفي غضون ذلك "يعمل على الأقل 93% من العمال عن طريق العقود الوقتية لفترة تتراوح بين شهر وبين عام واحد" (6) وبالتالي فإنهم محرومون من حق التأمين العلاجي والحوادث والرواتب التقاعدية حيث أجورهم في أدنى حد ممكن.
إن الضحايا الرئيسية لهذه العقود الجائرة هي النساء العاملات. ويضطررن لقبول وظائف متدنية الدخل وصعبة مع ساعات طويلة للعمل من جهة كما أنهن يتعرضن في مقدمة من يهددون بالانفصال عن العمل من جهة أخرى، بحيث بعد مواجهة أبسط مشكلة في أي معمل بخصوص وضعه المالي، فالنساء يتعرضن للفصل من عملهن. وخلال السنوات الـ 9 المنصرمة طرد أكثر من 100 ألف امرأة من سوق العمل في إيران سنوياً. (7) ولا يزال يتزايد معدل البطالة في صفوف النساء منذ بدء عمل الملا روحاني وحاليا ثلاثة أرباع النساء الخريجات لا يحظين بالحصول على فرصة عمل. (8)
وبينما يبلغ عدد النساء المعيلات مليونين و5 آلاف حسب الإحصائيات الحكومية (9) تعمل من هذا الكم فقط 18% وما تبقى منهن غير عاملات إذ يعيش أفراد عوائلهن في فقر مدقع.
إن الأخبار الأليمة الواردة القاضية بإقدام العمال على الانتحار وإضرام النار في جسدهم والتي زادت وتيرتها خلال الأشهر الأخيرة تعتبر إحدى تداعيات هكذا ظروف.
في كانون الثاني/ يناير المنصرم أقدم 3 من العمال في منجم "آق دره" في تكاب على الانتحار. وفي آذار/ مارس المنصرم أضرم يونس عساكرة النار في جسده وهو شاب من أبناء مدينة خرمشهر وكان يعمل كبائع متجول وفي نيسان/ إبريل أضرم حميد فرخي بائع متجول كادح من أهالي مدينة تبريز هو الآخر النار في جسده وبذلك احترقا بظلم هذا النظام ورفعا صرخاتهما الاعتراضية عن طريق التضحية بحياتهما.
وكم كان رائعا وفي الوقت ذاته شجاعا عندما كان الشباب الغيارى والمعترضون من محافظة خوزستان يصرخون كلنا يونس! وبالتأكيد إنها صرخة لجميع الشباب الإيرانيين المنتفضين من الشمال إلى الجنوب في البلد.
إن الفقر والحرمان اللذان يرافقاهما الفصل عن العمل بشكل واسع وفقدان أي أمن وظيفي للعمال هما ناتجان عن السياسة اللا إنسانية لنظام ولاية الفقيه حيث قد حولت العمال الإيرانيين إلى إحدى أرخص وأقل مستلمي الرواتب لقوة العمل في العالم وذلك بهدف تخفيف آثار الأزمة.
إن السياسة القائمة على كبش فداء العمال يتابعها بشكل نشيط النظام لاسيما الملا روحاني رئيس نظام ولاية الفقيه إذ أن المشروع الذي قدمه إلى برلمان النظام تحت عنوان "إزالة عراقيل الإنتاج" وصوت عليه مجلس صيانة الدستور للنظام الأسبوع المنصرم في الحقيقة تزيل العراقيل أمام فصل العمال عن العمل وتوفر ظروفا لفرض العقود الوقتية للعمال أكثر من أي وقت مضى.
إن التكاليف الغالية للحرب اللا وطنية ضد كل من شعوب سورية والعراق واليمن وكذلك تكاليف البرنامج النووي والصاروخي تثقل كاهل المواطنين الإيرانيين والعمال الكادحين كما يمتنع نظام ولاية الفقيه عن أي عمل لتقليص هذه التكاليف الهائلة للحفاظ على نفسه.
إن الأزمة الإقتصادية في إيران ناجمة عن أزمة قاتلة يعيش فيها حكم الملالي أساسا لن تنتهي إلا بإسقاط هذا النظام.
وخاطبت مريم رجوي العمال والكادحين الإيرانيين الشجعان قائلة: في اليوم العالمي للعمال "أدعوكم جميعا إلى تكثيف الصمود والاعتراض بهدف إسقاط نظام ولاية الفقيه يداً بيد الطلاب والمعلمون والآخرون من المواطنين الناقمين وأشعلوا اعتراضاتكم أكثر فأكثر من أجل التلاحم مع المقاومة المنظمة وباستلهام من صمود الرواد الأشرفيين في ليبرتي".
إن طريق الحرية والمساواة والعدالة يمر بإسقاط نظام ولاية الفقيه. وإن احداث أي تغيير سيكون ممكنا على أيدينا أنفسنا. وطالبت رجوي المواطنين بأن لا يدخروا أي جهد لإيصال مساعدات لأبناء عوائل المسجونين ورعاية أبناء عوائل العمال المفصولين عن العمل مؤكدة:
"إن اعتراض ونضال العمال وجميع المواطنين الإيرانيين واستمرار مقاومتهم المنظمة يبشر بمرحلة نبيلة حيث تكون متوفرة فيها الحريات والحقوق الأساسية للعمال الإيرانيين. نظام يتمتع العمال فيه بحق تشكيل نقابة وتشكيلات عمالية وحق الإضراب والاعتراض والأمن الوظيفي والتأمين العلاجي والتأمين ضد البطالة وأن تلغى فيه جميع القوانين القائمة على التمييز تجاه النساء عن طريق تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة بشكل كامل وأن يمنع فيه عمل الأطفال".
- المصادر -
1. وكالة أنباء "مهر" الحكومية- 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014
2. علي رضا محجوب رئيس جهاز "خانه كاركر" الحكومي ومن أعضاء برلمان النظام- موقع أخباري "عصر دنا"- 6 آب/ أغسطس 2014
3. محمد رضا زاهدي زاده رئيس مجمع ممثلي عمال محافظة خوزستان- وكالة أنباء "ايسنا" الحكومية- 24 كانون الأول/ ديسمبر 2014
4. وكالة أنباء "مهر"- 24 آب/ أغسطس 2014
5. أبوي من أعضاء هيأت أمناء الرابطة العليا لتجمعات العمال المهنية- وكالة أنباء "مهر"- 24 آب/ أغسطس 2014
6. تقرير صادر عن وزارة العمل- وكالة أنباء "مهر" - 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2014
7. تقرير صادر عن مركز الإحصاء في إيران حيث يظهر في مطلع عام 2015 وصل معدل البطالة في صفوف النساء الباحثات عن العمل من 32،6 بالمئة في عام 2005 إلى 43.4% في 2014- دويتشه وله – 16 نيسان/ إبريل 2015
8. محسن رناني- الملتقى الوطني للنساء- وكالة أنباء "ايسنا"- 29 نيسان/ إبريل 2015
9. علي محمد ذوالفقاري- نائب لجنة الإغاثة- وكالة أنباء "مهر"- 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013