ينتظر أن ينهي عبد الإله بنكيران ولايته الثانية على رأس العدالة والتنمية في تموز/ يوليو المقبل، فيما ولايته الحكومية لن تنتهي إلا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
بنكيران سيجد نفسه، والحالة هذه، أي بعد أن استنفد ولايتين متتابعتين، في وضع قانوني لن يسمح له بترؤس العدالة والتنمية لولاية ثالثة، وهو الأمر الذي تداول فيه قياديو الحزب في اجتماع السبت المنصرم دون أن يحسموا في أي خيار.
صحيح أن خيار تأجيل المؤتمر الوطني، الذي سيحمل رقم 8، إلى ما بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016، خيار وارد بقوة، لكن ما هو مرجح، بحسب مصادر من داخل البيجيدي، هو أن الحزب لن يغير قوانينه الداخلية لتمكين عبد الإله بنكيران من ولاية ثالثة.
مصادرنا تقول أيضا إن التمديد لبنكيران معناه تغيير هذه القوانين الداخلية. وهذا معناه من جهة أخرى أن الحزب سيبعث رسالة سلبية ستضع ديمقراطيته الداخلية موضع شك، وهو الذي لطالما تغنى بهذه القوانين وباحترام مواعيده التنظيمية دون خوف على وحدته، وبكونه أول حزب مغربي قدم دروسا لخصومه السياسيين في التداول على المسؤوليات والمهام الحزبية، وفي ترسيخ تقاليد ديمقراطية داخلية شفافة وصلت الى حد انتخاب وزرائه، وما رافق ذلك من حرج مع القصر ومحيطه.
أكثر من هذا، عندما فاز البيجيدي بالمرتبة الأولى في انتخابات الربيع العربي لسنة 2011، تخوفت قيادة العدالة والتنمية من إمكانية تعيين الملك لشخص آخر من الحزب غير عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة خاصة أن الدستور الجديد فسح المجال أمام هذه الإمكانية.
وكلنا يتذكر كيف أن البيجيدي وقتها مارس بعض الضغط المعنوي والرمزي على القصر لكي لا ينحو هذا المنحى. وقد تمثل هذا الضغط الرمزي في ما يشبه "التهديد الناعم" هذا مفاده: "إذا عين الملك شخصا آخر من حزبنا غير الأمين العام، كما تقتضي المنهجية الديمقراطية، فإننا ستجتمع للتداول في هذا الأمر".
إذن بعد كل هذه المجهودات وبعد كل هذه لمعارك التي خاضها الحزب من أجل صياغة قوانين جد متقدمة لحماية ديمقراطيته الداخلية فإنه من الصعب اليوم أن يعود لينسفها من جديد فقط لأن شخصية أمينه العام وكاريزميته والموقع الحكومي يفرضان هذا الخيار الذي ستكون له بدون شك كلفة سيوديها الحزب من رصيد سمعته وصورته لدى الرأي العام سواء في الداخل أو الخارج.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن بنكيران شخصيا سيكون "زاهدا" في هذه الولاية الثالتة التي قد تخدش كاريزميته، التي بناها من داخل دواليب السلطة لا من خارجها، ولأن بنكيران سيبدو، مع ولاية ثالثة، كباقي الزعماء السياسيين الذين تغيرهم المناصب والمكاسب والكراسي والسلطة فيغيرون القوانين لخدمة أشخاصهم ومصالحهم الضيقة بمبرر واه اسمه "المصلحة العليا للوطن".
وهذا "الزهد"، أو دعونا نسميه "زهد المكره"، لا يعني أن بنكيران انتهت طموحاته السياسية بعد خمس سنوات قضاها على رأس الحكومة. أبدا. بنكيران ماكينة بطموحات سياسية لا سقف لها. وهو حريص على أن يكون عمره السياسي أطول من عمره البيولوجي، ومع ذلك نتوقع أن يعلن بنكيران "زهده" في هذه الولاية الثالثة خاصة أن هناك قياديا آخر أصبح "جاهزا" ليس فقط لرئاسة العدالة والتنمية أو حتى الحكومة، بل أصبح جاهزا للاشتغال مع ملك البلاد: إنه مصطفى الرميد وزير العدل والحريات الذي صنفه مسؤول أمني رفيع المستوى في جهاز حساس، ذات سياق، في خانة "رجال الدولة".
وليس هذا فحسب، الرميد حاز ثقة الملك الذي استأمنه على اكثر الملفات حساسية تهم الأمن القومي للبلاد، فكيف لا يحوز ثقة بنكيران على رأس حزب سياسي بعد أن زال الاعتراض عليه من طرف الدولة العميقة؟
وهذا ليس استنتاجا صحفيا. الأمر يتعلق بمعلومة لها مصدرها الخاص: الرميد هو مرشح بنكيران ولا أحد غيره لرئاسة العدالة والتنمية في مؤتمره القادم. وبنكيران، حاليا، إذا أراد شيئا داخل البيجيدي فإنه يقول له كن فيكون.
آه، نسيت أن أقول إن الرميد هو واحد من قياديي البيجيدي الذين ملأوا بعض الفراغ السياسي الذي تركه رحيل صديق العمر عبد الله باها في حياة عبد الإله بنكيران.
نعم أقول بعض الفراغ السياسي لأن الفراغ النفسي فلن يملأه أحد من العالمين.