بقلم :يونس أربيلة
لا يمكن للمتتبع للشأن السياسي الداخلي الإسباني إلا أن يتساءل عن توقيت التنازل عن العرش من قِبل الملك خوان كارلوس لفائدة ابنه فليب.
ويرتبط هذا التساؤل من دون أدنى شك بفترة ليست بطويلة تراجعت فيها شعبية الملك خوان كارلوس في مقابل مطالب شعبية بالتجديد في إطار الوحدة والاستمرارية، وهذا ما تنص عليه الفقرة الاولى من المادة 56 من الباب الثاني من الدستور الاسباني لسنة 1978 "الملك هو رئيس الدولة ورمز وحدتها واستمرارها، هوالحكم والمنسق لأعمال المؤسسات".
فإذا كان الباب الثاني من الدستور الاسباني والذي يضم 10 مواد: (56-57-58-59-60-61-62-63-64) يفصل بشكل دقيق أجوبة لأسئلة وإشكالات عدة، ومن أهمها ارتباط العرش الإسباني بالوراثة، وهذا ما نستشفه من الفقرة الاولى من المادة 57 "العرش الاسباني وراثي في أسرة جلالة الملك دون خوان كارلوسس الاول دي بوربون، الوارث الشرعي للسلالة التاريخية، وتكون وراثة العرش في الابن الاكبر سنا، وتعطى الافضلية دائما للخط المستقيم، وفي الاتجاه ذاته والاكثر قرابة، وفي الدرجة ذاتها يفضل الذكر على الانثى، وفي الجنس لمن هو اكبر سنا"، في حين ان لقب ولي العهد يلقب "امير استورياس"، حيث إننا نجد الفقرة الثانية من المادة 57 "ولي العهد، منذ ولادته أو اللحظة التي يحصل فيها على هذه الصفة، يلقب"امير استورياس" وباقي الألقاب التقليدية التي تطلق على وريث العرش الإسباني".
وما يهمنا في دراسة هذه الوضعية المستجدة في الساحتين السياسية والدستورية الاسبانية هو إعمال المادة 57، وبالخصوص الفقرة الخامسة "ان التنازل عن العرش او اي اشكالية تتعلق بالخلافة، سوف تحل بواسطة قانون تنظيمي".
إن القراءة الدستورية لهذه الفقرة تثير اشكالية التنازل عن العرش (لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وهل؟)، ويمنح المشرع الدستوري جوابًا واضحًا وصريحًا (قانون تنظيمي، لكن بالحدة ذاتها من الأسئلة المطروحة (لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وهل؟)، حيث الافتراضات كثيرة والاستنتاجات متنوعة والجواب واحد.
المشهد السياسي الاسباني اصبح واضحا، الملك فليب سيتوج بصفته ملك إسبانيا حسب منطوق الفقرة الثانية من المادة 56 "صفته هي ملك إسبانيا، ويمكنه أن يستعمل كل الألقاب المتعلقة بالتاج.
وكباقي الملكيات فإن للملك اختصاصات مهمة المادة 62: اختصاصات الملك:
"يصادق ويصدر القوانين.
حل المجلس النيابي والدعوة إلى انتخابات وفقا لما ينص عليه الدستور.
الدعوة الى الاستفتاءات في الحالات المنصوص عليها دستورًيا.
اقتراح المترشح لرئاسة الحكومة وتسميته وعزله ووضع حد لمهامه، حسبما هو منصوص في الدستور.
تعيين أعضاء الحكومة، وإعفاؤهم باقتراح من رئيسها.
اصدار المراسيم المتخذة في مجلس الوزراء، والتعيين في الوظائف المدنية والعسكرية، وتسليم رتب الشرف والتوسيمات طبقًا للقوانين.
أن يخبر بشؤون الدولة وأن يترأس اجتماعات المجلس الوزاري عند الحاجة، وبطلب من رئيس الحكومة.
القيادة العليا للقوات المسلحة.
حق العفو وفقًا للقانون، ولا يجوز له العفو العام.
الرئاسة السامية للأكاديميات الملكية".
لا يمكن إغفال المهام الجسيمة التي على عاتق الملك الجديد وتتلخص في "اعلان الحرب وابرام السلام"، وهذا ما نصت عليه المادة 63 من الدستور الاسباني لسنة 1978، في فقرته الثالثة "للملك الحق بعد استشارته مع المجلس النيابي، في اعلان الحرب وابرام السلام".
في ظل هذه المستجدات يجب طرح مجموعة من التساؤلات:
اولها، ما مدى قدرة الملك الجديد على اعادة الاعتبار الى المؤسسة الملكية وتجديد آليات اشتغالها؟
ثانيًا: هل في إمكان الملك فليب ان يخرج اسبانيا من ازمتها الاقتصادية والتي كان لها تداعيات سلبية على علاقتها الخارجية، مما افقدها مرتبتها على الصعيدين الاوروبي والعالمي؟
ثالثا: هل ثمة لملك اسبانيا رهانات مع دول الجوار تعزز التقارب والانفتاح والشراكة خدمة للامة الاسبانية؟
* باحث في العلاقات الدولية والنظام الدولي.