قسنطينة ـ أ.ف.ب
في بلد تشجع سياساته الرسمية الموسيقى التقليدية والفعاليات التي تعزز الهوية العربية الاسلامية، لا يتوانى شباب موسيقيون عن السير في اتجاه مختلف تماما وتقديم عروض لموسيقى الروك والميتل تجذب الجمهور من كل ارجاء الجزائر.
على خشبة المسرح في قسنطينة شرق الجزائر، تقدم فرقة من الشباب عرضا صاخبا تتخلله بين الحين والآخر صيحات المغني الشاب عمر "ثورة!!"..وذلك ضمن مهرجان لانماط موسيقية تبدو غريبة عن ثقافة البلد.
ويطلق على هذا المهرجان اسم "فست 213"، وهو مع كونه حدثا نادرا الا انه يشكل نموذجا على المبادرات الشبابية التي غالبا ما تنطلق من دون اي مساعدة او رعاية من السلطات.
وضم المهرجان هذا العام فرقتين يجتمع في كل منها موسيقيون جزائريون وفرنسيون، وهما فرقتا اسيل واركان، اضافة الى ثلاث فرق جزائرية هي تراكس وفينغربرينتس ونوميداس.
وتقول طالبة مقيمة في قسنطينة تطلق على نفسها لقب "سادنس سبيريت" (اي روح الحزن) "انه حدث لم يسبق له مثيل"، وهي ترتدي ملابس جلدية سوداء وتضع سلاسل وادوات زينة تميز هواة موسيقى الميتل.
وقد جاءت هذه الشابة لحضور المهرجان مع صديقة محجبة تزينت بالطريقة نفسها التي تميز هواة هذا النوع الموسيقي.
واضافة الى العروض الموسيقية نفسها، يؤمن هذا المهرجان مساحة يعيش فيها هواة الميتل اجواء موسيقاهم وثقافتها، من الرقص والتواصل والملابس وما الى ذلك.
-جدران الموت-
وتقول سادنس سبيريت "خارج هذه العروض لا يمكننا ان نرتدي ملابس كهذه، أو ان نتصرف بهذه الطريقة، والا فاننا سنجلب لانفسنا المتاعب".
بدأ الاهتمام بموسيقى الميتل في الجزائر في التسعنيات، في العقد الذي كانت تعيش فيه البلاد احداثا دامية، وانتشر هذا اللون الموسيقي مستفيدا من مساندة السلطات لاي شيء كان يمكن ان يوضع في خانة مواجهة الافكار المتشددة.
لكن الفرق الخمس عشرة التي تعزف موسيقى الميتل اليوم في الجزائر تتعرض لحملات كثيرة، وصولا الى اتهام اعضائها بانهم يعبدون الشيطان، كما فعلت احدى محطات التلفزيون في الاونة الاخيرة.
وفي ظل هذه الظروف، تطلب الامر عامين من الجهود حتى نجحت مجموعة "فست 213" في تنظيم مهرجان لموسيقى الروك والميتل في قسنطينة. وقد ادرج هذا المهرجان اخيرا ضمن برامج "قسنطينة عاصمة للثقافة العربية"، وهو حدث رسمي مخصص للاضاءة على الثقافة التقليدية.
ويقول عازف الايقاع مصطفى وهو مهندس ايضا "لقد نجحنا في الالتفاف حول الفكرة الاساسية لهذا الحدث الثقافي".
في الجزائر، تخضع معظم الصالات والمراكز المناسبة للعروض والتمارين لسيطرة الدولة، وكثيرا ما يمنع المسؤولون فنانين من استخدام هذه الاماكن لاعتبارهم خارجين عما هو مألوف.
ويقول رمزي عباس وهو موسيقي ومغن جزائري "بعض المسؤولين في الهيئات العامة او الجمعيات الخاصة لا يمارسون رقابة علنية، ولكنهم بكل بساطة يتجاهلون الطلبات المقدمة".
ويوضح صادق بوزينو وهو مغن في فرقة لموسيقى الريغي "بعض المسؤولين يدعون الفنانين الى اقامة عروض، لكنهم يفرضون رقابة على النصوص".
وبحسب مالك شاوي الناشط في مجموعة العمل حول السياسة الثقافية في الجزائر، فان السلطات "تصمم سياساتها الثقافية بما يؤمن لها السيطرة على التفكير"، وهي لا تسمح للمواطنين بان ينطلقوا في ثقافة متعددة الجذور، كما يقول.
- مبادرات جديدة-
لكن الشباب المنخرطين في الموسيقى البديلة، لا يبدو انهم مستعدون للاستسلام، بل هم يجدون دائما وسيلة للالتفاف، معتمدين بشكل اساسي على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
وهم يعتمدون ايضا على التجمعات القليلة المستقلة عن الدولة، للتعاون على تنظيم مهرجانات كمهرجان "فست 213".
في حزيران/يونيو الماضي، شارك الاف الشبان في مهرجان "هولي فستيفال الجيريا"، وهو النسخة الجزائرية من مهرجان الالوان الدولي المستوحى من تقاليد هندية، على شاطئ في بجاية الواقعة على بعد 250 كيلومترا من العاصمة.
لكنهم تعرضوا لهجوم لاذع على الانترنت من المحافظين الذين وصفوهم بانهم "يخالفون التقاليد الجزائرية".
وفي الجزائر العاصمة، تعمل مجموعة تطلق على نفسها اسم "مايهم" على مساعدة الشباب من موسيقيي الروك ليخرجوا الى العلن والشهرة، من خلال عروض تنظم على شرفة متحف الفنون الجميلة.
ويقول زكريا براهمي العضو في هذه المجموعة والبالغ من العمر 21 عاما "يرى المسؤولون ان هذه المبادرات متغربة جدا وقليلة النفع، لكن في الحقيقة فان حفلات الميتل تجذب الكثير من الناس".