الرباط _ المغرب اليوم
رغم سنّه المتقدّمة، يُقاتل الحسين باستماتة لكي يرفع جانب عربة ذات عجلتين، المعروفة بتسمية “الكرّوصة”، عن الأرض .. لينطلق بحمولتها نحو وجهة ما، حتى ينال مقابل خدمته دراهمَ معدودات.
قرب “كراجات” بيع موادّ البناء في حيّ كاساباراطا بطنجة تتواجد مجموعة من “الكراريص”، يعملُ أصحابها على نقل بضائع إلى الوجهات التي يحدّدها الزبون، وهي مهنةٌ يتضاءل ممارسوها يوما عن يوم، بسبب عدد من المستجدّات الحياتية وتطوّر وسائل النقل وسهولة توفيرها.
ما يثير الانتباه في مهنة “تحمّالت” هذه أن كلّ ممارسيها بطنجة هم، بلا استثناء، من كبار السن، وأغلبهم انحنى ظهره وغزا الشيب رأسه بالكامل، في مهنة يفترض أنها تتطلب شبابا وقوّةً وقدرة على التحمل.
الحسين واحدٌ “الحمالين”، يقدّرُعددَ ممارسي هذه المهنة في طنجة بنحو50 تقريبا، وهو عددٌ يتناقص بشكل سريع، خصوصا أن ممارسيه من كبار السنّ، وأن وسائل النقل تزداد تطوّرا ويسراً ورُخصا أيضا.
وعن تفاصيل هذه المهنة يقول الحسين: “في العموم نضع عرباتنا أمام محلات بيع مواد البناء، حيث يمكن العثور على زبائن يريدون نقل معدات خفيفة نوعا ما نحو مسافات قريبة، وهم بالتالي لا يحتاجون إلى سيارة نقل بالضرورة، وفي الوقت نفسه لا يمكنهم حملها يدويّا”.
ويضيف المتحدّث: “أبلغ من العمر 71 عاما حاليا، وأسرتي تتكون من 9 أبناء، تزوّج بعضهم، لكنني لازلت المعيل الرئيسي.. كما أضطر إلى مساعدة المتزوجين منهم أحيانا، في ظلّ ضيق ذات اليد الذي نعاني منه”.
وعن الأرباح التي يجنيها من مهنته يقول الحسين: “في أحسن الأحوال قد أعود بـ150 درهما، ولو أن هذا نادرا ما يحدث؛ أما في أسوأ الأحوال فقد أعود خالي الوفاض.. يكفي أن الزوال الآن ولازلت لم أجنِ درهما واحدا”.
بخصوص سبب ممارسة كبار السن لهذه المهنة يقول الحسين: “الجيل الجديد مكتفٍ بوسائل النقل الحديثة، خصوصا مع ظهور الدراجات النارية ثلاثية العجلات التي أصبحت توفر إمكانية النقل بسرعة وبأثمان مقبولة جدا، إضافة إلى أن هذا النوع من العربات لم يعد يصنّعه أحد”.
قضى الحسين 50 عاما في ممارسة المهنة ليخرج في الأخير بخفّي حنين، وهو لا يتوفر على أي تغطية صحية أو أوراق مهنية؛ بل يعيش يوما بيوم محاولا أن تكون صحّته زاده الوحيد.
“ما الذي يمكنني فعله؟.. نعم، الحمولات ثقيلة وأنوءُ بها في كلّ مرة أحملها للزبناء، لكن لا بديل لدي غير هذه المهنة.. لم أتعلّم أي مهارة لأجابه بها الحياة”، يضيف الحسين وهو يدير عربتهُ آملا قدوم زبون يفتتح معه رزق يومه.
إضافة إلى موادّ البناء ينقل حمّالو العربات أثاث المنازل وكلّ ما خفّ وزنه وصعُبَ حمله يدويّا، وهي حالات تبقى نادرة جدّا – حسب الحسين – لوجود وسائل أخرى أسرع وأرخص للنقل.
السّتيني عبد العزيز، واحد ممن يرابطون قرب أحد محلات بيع الأثاث، في حيّ السواني، منتظرا فرصا قلّما تأتي، ومؤكدا لنا ما قاله الحسين حول عدم أي وجود إطار منظم لمهنتهم قائلا: “كيف سيوجد إطار ومهنتنا أصلا موشكة على الانقراض؟ العربات لم يعد أحد يصنعها، والشباب مُكتفون بشدّة بوسائل النقل التي تتطور يوما عن يوم، لهذا نحن مرغمون على ممارسة المهنة بظروفها التي وجدناها عليها منذ عقود”.
يتكّأ عبد العزيز على الجدار وهو يئنّ بسبب آلام الظهر منتظرا زبونا قد يأتي حاملا معه بعضا من رزق اليوم.. ولعلّه لا يأتي؛ بينما تبقى مهنة “جرّ الكرّوصة” بطنجة مهنة يتضاءل ممارسوها يوما عن يوم بطنجة وسط عالمٍ يفرض إيقاعه المتجدّد والمتطوّر في كل مناحي الحياة.