الناظور - كمال لمريني
اكتسحت السجائر الجزائرية المهربة، التي تدخل التراب المغربي عبر الشريط الحدودي المغربي –الجزائري المغلق منذ العام 1994، مختلف الأسواق المغربية، والتي غالبا ما تكون منتهية الصلاحية.
وذكر مصدر رفض الكشف عن هويته، في تصريح إلى "المغرب اليوم"، أن انخفاض سعر السجائر الجزائرية المهربة مقارنة مع السجائر المغربية المرتفعة الثمن، شجع عددا كبيرا من سكان القرى الحدودية بالغرب الجزائري "باب العسة، سيدي بوجنان، لالة عيشة، مغنية" على التعاطي لتهريب السجائر لكسب قوتهم اليومي؛ حيث باتت تتدفق كميات كبيرة من تلك السجائر المهربة المقلدة إلى المدن الحدودية المغربية ومنها إلى باقي المدن الداخلية.
الطريق إلى وجدة
من مدينة الناظور في اتجاه عاصمة المغرب الشرقي ساعتان ونصف من الوقت على متن سيارة أجرة هي المدة الفاصلة بين مدينة الناظور المتاخمة لمدينة مليلية المحتلة، ومدينة وجدة المحاذية للشريط الحدودي المغربي ـ الجزائري، وعبر الطريق الوطنية رقم 2 تتراءى العشرات من السيارات المستعملة في مجال تهريب، تجوب الطريق وفي العديد من الأحيان تخترق الحاجز الأمني لرجال الدرك الملكي المرابطين عند قنطرة "ملوية"، التي تفصل إقليم بركان عن إقليم الناظور.
تطوي عجلة سيارة الأجرة المسافات، والحديث بين الركاب لا ينقطع عن ظاهرة التهريب التي أصبحت موضوعا متداولا لدى الجميع، أمام حوادث السير المميتة التي تخلفها، وتودي بحياة عشرات المواطنين.
عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، حركة عادية وسحب كثيفة تغطي السماء، والركاب يعالجون ظاهرة التهريب من منظورهم الخاص، منطلقين من الفراغ، دون استحضار العوامل الأساسية التي أدت بشباب الجهة الشرقية إلى التعاطي للتهريب المعيشي، في ظل غياب فرص الشغل.
بين مدينة الناظور ووجدة، كانت ترتسم لـ"أسامة" شاب من الدار البيضاء، صورة تعكس الوضع الذي تتواجد فيه الجهة الشرقية، كونه لم يزرها من قبل، وأن هذا اليوم الأول الذي يتمكن فيه من زيارة مدينة وجدة، لكونه ينحدر من مدينة الدار البيضاء، ويتحدث عن الجهة الشرقية وكأنها تنتمي إلى عالم آخر غير الموجودة به، وعن أناسها الذين قال عنهم إنهم يعيشون من عائدات التهريب التي راكموا من خلالها الثروات، وإنهم يختلفون تماما عن باقي أناس "الداخل".
مع طي سيارة الأجرة للمسافات يرد سائق الطاكسي على أسامة ،"المنطقة عندها خصوصية، والموقع اللي تتميز به عن باقي جهات المملكة خلاها باش تكون قبلة لشبكات التهريب"، ليستطرد قائلا "إن الرحلة إلى مدينة وجدة تجعلك تكتشف هذه المدينة وخبايا أسرار التهريب وأبطاله ووسائله".
كانت حدة النقاش تزيد، و"أسامة" يجادل سائق الطاكسي ويحاول إقناعه، كون الجهة الشرقية قبلة لمافيات التهريب فحسب، لكون الموقع الاستراتيجي الذي تتميز به، كان من شأنه جعلها بوابة الاتحاد المغاربي، إلا أن أمورا أخرى حالت دون ذلك.
لفظتنا سيارة الأجرة في محطة الطاكسيات الكبيرة بـ"قبور سيد المختار"، التي تفصلها مسافة قصيرة عن سوق "سيدي عبد الوهاب" و"سوق الفلاح" اللذين تتكدس فيهما مختلف السلع والبضائع الجزائرية التي يصعب تحديدها، مما يبين أن السلع المهربة قد غزت الأسواق المغربية ودخلت التراب الوطني، من دون أن تخضع للمراقبة الصحية وللرسوم الجمركية.
على مستوى "روت مراكش"، القلب النابض لمدينة وجدة، تتراءى عربات يدوية، وطاولات، وصناديق خشبية، ومنشورات من البلاستيك تؤثث الشارع يوميا، وخلفها يقف العشرات من الشباب، تتعالى أصواتهم المبحوحة لإثارة اهتمام المارة لأهمية ما يعرضون من بضائع وسلع مختلفة، غالبيتها مهربة من مليلية السليبة، فيما تحتل المواد المهربة من القطر الجزائري المرتبة الأولى داخل السوق الاستهلاكية، نظرا لسعرها الرخيص، ولقلة جودتها، والتي تبدو للعيان من خلال حروف "الضاد" الموضوعة على علبها.