ريو دي جانيرو ـ أ.ف.ب
قد يبدو فتح مقهى للذواقة في بلد يشهد اضطرابات اقتصادية وسياسية مشروعا محفوفا بالمخاطر، لكن مستثمرين كثيرين مثل الأسترالي دانكن هاي يؤكدون أن الاستثمار في البرازيل يستحق العناء.
فقد عمل هذا المقاول البالغ من العمر 44 عاما جاهدا كي يفتح في خلال بضعة أيام لا غير مقهى "كرافت كافيه" المخصص لأنواع القهوة العالية الجودة في حي إيبانيما الراقي والسياحي في ريو دي جانيرو.
وبالرغم من تدهور الوضع السياسي وتفاقم الانكماش الاقتصادي، ما يقلق رجل الأعمال هذا هو ازدياد التكاليف والبيروقراطية المنتشرة فضلا عن إخلال مزودي الخدمات بتعهداتهم.
ويقول هاي لوكالة فرانس برس "كلفني الأمر ضعف تقديراتي. وقيل لي إن هذا طبيعي في البرازيل، فكل التكاليف تتضاعف".
ويعزى ذلك خصوصا إلى البيروقراطية المنتشرة في المؤسسات والفساد المستشري فيها والضرائب المرتفعة في سابع قوة اقتصادية في العالم تحتل المرتبة 116 في تصنيف البلدان الجاذبة للاستثمارات، بحسب البنك الدولي.
غير أن دانكن هاي هو من هؤلاء المستثمرين الأجانب الذين لم يفقدوا الأمل بعد في البرازيل، فإن الأجانب هم في الواقع أكثر ميولا إلى الاستثمار في هذا البلد الأميركي الجنوبي من البرازيليين أنفسهم.
وقد تراجعت عمليات الاستحواذ والاندماج بين الشركات البرازيلية بنسبة 23 % في خلال أول تسعة أشهر من العام 2015، بالمقارنة مع العام السابق، في حين ازدادت العقود الأجنبية بنسبة 3 % لتتخطى تلك المحلية.
وهذه الصعوبات لم تسلب من البرازيل قدرتها الكبيرة على جذب المشاريع بفضل اقتصادها المتنوع وسكانها البالغ عددهم 204 ملايين نسمة وطبقتها الوسطى المتنامية.
وبالرغم من تراجع الاستثمارات الخارجية، تبقى البرازيل البلد الذي يتلقى أكبر نسبة من الاستثمارات الخارجية المباشرة في المنطقة، بحسب مصرف "سانتاندر".
ويعتبر أندريه بيرفيتو كبار خبراء الاقتصاد في "غرادوال إنفستيمنتوس" أن الأزمة الاقتصادية تتيح فرصة حقيقية في سوق رئيسية"، لا سيما بالنسبة إلى الأجانب الذين يحصلون على العملة البرازيلية بأسعار منخفضة. فقد تراجعت قيمة الريـال البرازيلي ثلاث مرات هذه السنة مقابل الدولار.
يناهز استثمار المقاول الأسترالي 187 ألف دولار وهو ليس سوى نسبة بسيطة في اقتصاد يبلغ حجمه 2300 مليار دولار، لكن مشروعه هو خير مثال على توافد المستثمرين الأجانب إلى البلاد.
فقد صرف هاي في شباط/فبراير من شركة "شلومبرغر" النفطية وهو لم يكن يريد مغادرة البلاد فحاول إيجاد حل بديل.
وصحيح أن البرازيل هي أول منتج عالمي للقهوة، غير أنه من النادر إيجاد مقهى يقدم قهوة عالية النوعية في ريو.
ويؤكد هاي أن "مذاق القهوة هنا يشبه الفحم الممزوج بالمياه".
وهو استأجر مقهى يتسع لخمسة عشر شخصا ودرس طريقة تحميص القهوة وتحضيرها وأعد وجبات سليمة وخفيفة تختلف عن تلك المقدمة في مقاهي ريو الأخرى.
لكن المقاول لم ينج من شر المعاملات المعقدة "على الطريقة البرازيلية". وكانت هذه المعاملات لتستغرق أربعة أيام في الولايات المتحدة، بحسب البنك الدولي، أو حتى 30 يوما في الصين، لكن إنجازها تطلب أربعة أشهر في البرازيل.
فقد سرقت معداته واضطر إلى اللجوء إلى خدمات العاملين في السوق السوداء وصرف موظفا ضاعف سعر آلات القهوة، فخسر بالتالي رأسماله وتراجع عن فكرة فتح محلين آخرين.
ولا بد له من أن يواجه بعد زيارة المفتشين الذين يصفهم بـ"رجال المافيا".
لكن البرازيل لا تزال تقدم منافع كبيرة للمستثمرين فيها، لا سيما في مجال صناعة القهوة.