واشنطن - المغرب اليوم
إن العملة الصينية (الرنمينبي) تحطم السقف الزجاجي النهائي للعالم المالي وتشرع في رحلة جديدة نحو وضع عملة احتياطية عالمية عندما تنضم رسميا إلى نادى نخبة العملات لصندوق النقد الدولي يوم السبت.
وهذا يمثل اعترفا بالتقدم الذي أحرزته الصين للاندماج في نظام مالي عالمي تهيمن عليه الاقتصادات المتقدمة منذ عقود، ويشكل معلما تاريخيا للصين وصندوق النقد الدولي ونظام النقد الدولي.
-- تحطيم السقف الزجاجي المالي
فقد أعلنت كرستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي يوم الجمعة أن الرنمينبي ينظر له من قبل المجتمع الدولي كـ"عملة دولية قابلة للاستخدام الحر" وسينضم إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي في أول أكتوبر،إلى جانب الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني.
وقالت لاغارد إنها "المرة الأولى" في التاريخ التي يتم فيها توسيع سلة حقوق السحب الخاصة، مشيرة إلى أن إدراج الرنمينبي في السلة سيدفع تنويعها وسيجعلها أكثر تمثيلا للعملات العالمية والاقتصاد العالمي.
إن حقوق السحب الخاصة هي أصل احتياطي دولي أنشأه صندوق النقد الدولي في عام 1969 ليصبح مكملا للاحتياطيات الرسمية الخاصة بدوله الأعضاء. ويمكن مبادلة حقوق السحب الخاصة بين الحكومات بأي من العملات القابلة للاستخدام الحر عند الاقتضاء .
ولأن العملة الصينية أوفت بمعيار صندوق النقد الدولي المتمثل في "الاستخدام الحر" في النظام الاقتصادي العالمي، فسوف تستخدم في العمليات المالية الماضية قدما للصندوق.
وصرح تميم بيومي الباحث الزميل البارز بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي لوكالة أنباء ((شينخوا)) قائلا إنه "لم يحدث من قبل قط أن اُستخدمت عملة من الأسواق الناشئة للقيام بمعاملات دولية في صندوق النقد الدولي بهدف الاقتراض والإقراض. فهذه هى المرة الأولى ، إذ لم يحدث هذا الأمر من قبل قط".
وذكر بيومي "أظن أنها إشارة مهمة للغاية على أن العالم بدأ يدرك الأهمية المتزايدة للأسواق الناشئة، ليس من حيث التجارة فحسب، وإنما أيضا من حيث التمويل"، مضيفا أن "الرنمينبي يحطم السقف الزجاجي المالي".
وشاطره الرأى إيسوار براساد الباحث الزميل البارز بمعهد (بروكينجز) والرئيس السابق لقسم الصين في صندوق النقد الدولي، لافتا إلى أن إدراج الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة يعد "خطوة هامة ضخمة" للصين والمجتمع المالي الدولي.
وصرح براساد لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إدراج عملة دولة كبيرة ومتوسطة الدخل في سلة حقوق السحب الخاصة"، مضيفا أنها شهادة على أهمية الصين المتنامية في الاقتصاد العالمي والتمويل الدولي.
وذكرت لاغارد أن إدراج الرنمينبي في السلة يعد أيضا "خطوة هامة" في اندماج الاقتصاد الصيني في النظام المالي والنقدي العالمي ويعكس التقدم الذي تم إحرازه في إصلاح أنظمة النقد وسعر الصرف والشؤون المالية في الصين.
-- رحلة جديدة نحو وضع عملة احتياطية عالمية
ورغم أن اكتسابها للوضع الرسمي لعملة احتياطية عالمية لا يجعلها ترتقى إلى وضع مغير لقواعد اللعبة في النظام المالي الدولي، إلا أنها تستطيع دفع البنوك المركزية حول العالم إلى البدء في إضافة أصول مقومة بالرنمينبي إلى مدخراتها الاحتياطية. كما يمكن تشجيع المستثمرين من القطاع الخاص على شراء المزيد من الأصول الصينية للحصول على عوائد أعلى.
وذكر سيدهارث تيواري مدير إدارة الإستراتيجية والسياسة والمراجعة بصندوق النقد الدولي "نتوقع أن يزيد إدراج الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة من دعم استخدامه وتداوله المتزايدين بالفعل على الصعيد الدولي".
ومع النمو الاقتصادى المطرد وارتفاع عوائد السندات، تشهد الصين رغبة متزايدة في الخارج على استخدام عملتها وشراء سندات الحكومة الصينية، رغم انخفاض قيمة عملتها مقابل الدولار الأمريكي في الأشهر الأخيرة.
وقد احتل الرنمينبي المرتبة الخامسة من حيث العملة الأكثر نشاطا للمدفوعات العالمية وذلك من حيث القيمة في يوليو بحصة نسبتها 1.9% وبزيادة عن 1.72% في يونيو، وفقا للبيانات الصادرة عن منظمة المعاملات المالية العالمية (سويفت).
بيد أن وضع عملة احتياطية عالمية لن يحول الرنمينبي تلقائيا إلى عملة احتياطية عالمية كبرى. فذلك سيكون خيار السوق.
وقال براساد "في النهاية وبغض النظر عما يقوله صندوق النقد الدولي أو أي شخص آخر، فالسوق هو الذي سيحدد مدى بروز الرنمينبي"، مضيفا أن وضع العملة الاحتياطية بالنسبة للرنمينبي سيمنح الصين "زخما إضافيا" للدفع من أجل تحقيق مزيد من الإصلاحات .
ومن أجل زيادة جاذبية الرنمينبي كعملة احتياطية عالمية، ذكر أن الصين بحاجة إلى حساب رأس مال أكثر انفتاحا، وسعر صرف أكثر مرونة، والأهم من ذلك مجموعة واسعة من الأسواق المالية وإطار تنظيمي مالي أفضل.
وذكر جين تشونغ شيا مندوب الصين لدى الصندوق أنها "نقطة انطلاق جديدة" للإصلاحات الاقتصادية والتنمية في الصين، مضيفا أن الصين ستواصل الدفع من أجل تحقيق إصلاحات مالية عقب إدراج الرنمينبي رسميا في سلة عملات الاحتياطي .
وأشار إلى أن الصين "ستقوم في النهاية بتحرير حساب رأس المال بدرجة أكبر وسيصبح سعر الصرف أكثر مرونة بكثير"، مؤكدا أن الأمر سيتم عبر عملية تدريجية أو تطورية.
وقال "إننا ندرك تماما أن جهودنا الإصلاحية الموجهة نحو السوق مازالت تشق طريقها في إطار هذه العملية، لهذا لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به".
وإذا ما أجرت الصين المزيد من الإصلاحات المالية وواصل اقتصادها نموه كما كان عليه، يتوقع براساد أن يمثل الرنمينبي ما يتراوح بين 10 و 15% من احتياطي النقد الأجنبي العالمي خلال السنوات من الـ10 إلى الـ15 القادمة، ليصبح منافسا شديدا لعملات الاحتياطي الحالية مثل الين الياباني والجنيه الاسترليني .