مراكش ـ ثورية ايشرم
تنحدر فرقة "الدقة" المراكشية من مدينة تارودانت، إلا أنَّ هجرة الحرفيين من تارودانت نحو مراكش كانت السبب في ظهور الدقة المراكشية، كما أنَّ المراكشيون اتخذوها، منذ القدم، وطوروها، وأضافوا عليها أنواعًا أخرى من الأهازيج ونغمات المدينة، لتصبح من ضمن ما يميّز المدينة الحمراء، ويعطيها صيتًا ثقافيًا وشعبيًا يعرف أينما حللّت وارتحلت في المملكة المغربية، وحتى خارجها.وكانت "الدقة المراكشية"، أو "التقيتيقات" باللهجة المغربية، تتكون من 20 إلى 40 رجلاً، يحملون آلة "الطعريجة"، كما يطلق عليها بالمغربية، وبينهم من يقوم بإيقاعات موسيقية أخرى مختلفة، مستخدمًا آلة "النواقيس"، وهي آلة إيقاعية تتكون من صفيحتين معدنيتين متقابلتين، يحمل زوج منها في اليد اليمنى، وآخر في اليسرى، إضافة إلى "المزمار والنفار"، وكلها آلات تقليدية مغربية، يعزفون عليها، ويغنون أغانيهم الشعبية، التي تتنوع بين المدح والرثاء والسخرية والضحك والفكاهة، كما تتضمن راقصًا يتنقل ويردّد كلامهم، ويقوم بحركات لا يستطيع إلا المراكشي إتقانها أحسن إتقان. وعلى الرغم من التغيّر الذي شهده هذا الفن، من حيث عدد الرجال، الذي تقلص، ووقت الوصلات الغنائية، الذي عرف نوعًا من التقليل، إلا أنه لم يخسر جمهوره، وعشاقه.وفي الماضي كانت وصلة الدقة المراكشية الواحدة تبدأ بالحركة البطيئة، بعد صلاة العشاء، وتنتهي بالحركة السريعة قبيل صلاة الفجر، لكنها أصبحت لا تتعدى النصف ساعة، دون تغييرفي المضمون، بل بات يستقطب عشاقًا من أوروبا، ودول عربية أيضًا.ويعد فن "التقيتيقات" من أروع الفنون الشعبية المغربية، وهو يمزج الزجل مع الرقص والغناء، ويعتبر أكثر ما يميز هذا الفن التراثي العريق، الذي تتصدر به طقوس الحضرة المراكشية الصوفية في الولاة والصلاح لكل من المدينة العتيقة، ورجالها السبعة بالترتيب، ويعشقه الصغير والكبير، وتقام له مهرجانات عديدة وكبيرة جدًا، ومسابقات محلية ووطنية، لاختيار أحسن فرقه، فضلاً عن تقديم جوائز قيّمة، ومحفزة للفائزين، بغية تشجيع الشباب على حب الثقافة الشعبية، والدفاع عنها، وحماية هذا الفن من التشويه والاندثار.